عقب ثورة 30 يونيو تزايد اهتمام القيادة السياسية بالتعليم؛ على اعتبار أنه قضية أمن قومى، كما أنه بمثابة الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة، ويمكن بوضوح ملاحظة هذا الاهتمام من خلال نصوص الدستور المعدل الصادر فى يناير (2014)، والتى ركزت على تحقيق جودة التعليم؛ حيث إنَّ المادة (19) من الدستور تنص على أنَّ "التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفره وفقًا لمعايير الجودة العالمية".
كما نصت المادة نفسها على إنَّ "التعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية، وفقًا للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن (4%) من الناتج القومى الإجمالي، وتتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها."
ولقد نص الدستور فى المادة (20) على أن "تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره، والتوسع فى أنواعه كافة، وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل."
وهذا أول دستور مصرى يهتم بالمعلمين وهيئة التدريس؛ حيث نص فى مادته (22) على أن "المعلمون وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأـساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه".
كما لم يغفل الدستور أهمية تدريس اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطني؛ حيث نص فى المادة (24) على أنَّ "اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى بكل مراحله مواد أساسية فى التعليم ما قبل الجامعى الحكومى والخاص."
وللوصول إلى تعليم متميز عال الجودة (تعليم 2) بالصورة التى تطمح مواد الدستور الى تحقيقه وبعد عمل شاق تم إجراء تعديلات جذرية فى نظام التعليم، وذلك على مستوى المضمون والآليات والوسائل التكنولوجية. وفى هذا السياق تم التأكيد على استهداف تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وإدماجها فى برامج التعليم، وتحديد المناسب منها فى ضوء احتياجات المجتمع المستقبلية ومتطلبات تأهيل وتثقيف أفراده.
ولا يمكن أن يتحقق التغير المنشود دون مساهمة فعالة من القادة التربويين القائمين على بناء وإدارة عمليات التعلم فى ميدانه العملى، ذلك يستدعى التخلى عن الاستراتجيات التقليدية، والتى نتائجها لم تتجاوز كثيرًا حدود استظهار المعرفة.
وتبدأ مصر هذا العام بتطبيق منظومة تعليم جديدة (تعليم 2) تضاهى أفضل النظم التعليمية عالميًا. منظومة تعليم تسعى لتحقيق نقلة نوعية لمصر تساهم فى استعادة أمجاد مصر وقوتها الناعمة والتنافسية متمثلة فى أجيال يتم تسليحهم بتعليم عال الجودة على أحدث المعايير العالمية، ويركز نظام (التعليم 2) على البناء المتكامل لشخصية المواطن المصري. بما يلبى احتياجات المتعلم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والسعى إلى تكوين الإنسان متعدد المهارات، والعمل بمبدأ التربية المستمرة ومساعدة المدرسة لإعداد الإنسان القادر على التعلم الذاتي. ولذا يعتمد النظام التعليمى الجديد (التعليم 2) فلسفة تربوية تساعد على اكساب المتعلمين القدرات والمهارات التى تمكنهم من تفسير الظواهر وفحص الحقائق، والتأكيد على التحول نحو تنمية قدرات المتعلم، وتطوير الإنسان المنتج للمعرفة المبدع للتكنولوجيا مع وحدة المعرفة وتقارب العلوم وتكاملها، بالإضافة إلى تعظيم الاستفادة مما يوفره التطوير التكنولوجى من أدوات تعليمية إلكترونية عديدة. ويتم ذلك من خلال مناهج تعليمية تستجيب للتغيرات والتطورات العالمية المتسارعة فى كافة مظاهر الحياة البشرية فى جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية.
ويسعى نظام التعليم الجديد من خلال المناهج الجديدة الى اكساب والمتعلمين مهارات إنتاج المعرفة ليتمكنوا من التعايش مع تحدياتها، والتحول من التعلم من أجل المعرفة إلى التعلم من أجل العمل ومن التعلم من التعايش مع الآخرين إلى التعلم من أجل أن نكون. وهكذا يصبح من الضرورى أن تتكامل هذه الأسس التربوية لتصنع مواطنًا يستطيع أن يتكيف ويتعايش مع عالم الغد، ومن المهم للمتعلم أن يتعلم ليكون صانعًا للمعرفة ومصدَّرًا لها، وليس مجرد مستهلك أو أن يكون ما يريد هو أن يكون لنفسه فى إطار من التعايش مع الآخرين.
وهكذا فإن نظام التعليم الجديد يسعى إلى النهوض بالوطن وتطويره وتحديثه من خلال التنفيذ الفعلى لمواد الدستور الخاصة بالتعليم على أرض الواقع؛ بما يكفل المزج بين الهوية الوطنية وثقافة الأمة المصرية والأخذ بالاتجاهات العالمية فى تحقيق تعليم متميز عال الجودة, والتوازن بين الاتاحة المجانية ومتطلبات التعليم المتميز عال الجودة، وفهم التراث والهوية واللغة العربية والتاريخ الوطنى المصرى مع فهم اللغات للتواصل مع الآخر وفهمه, وتعميق قيم المواطنة والانتماء لهذا الوطن العظيم المعطاء الرائع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة