ميرنا محسن المنشاوى تكتب: محكمة الزمن

الأربعاء، 19 سبتمبر 2018 10:00 م
ميرنا محسن المنشاوى تكتب: محكمة الزمن شخص يجلس على مقهى -أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ماذا لو اجتمعت كل أوقاتنا المهدرة ضدنا فى قضية قاضيها الزمان ؟!!

الإنسان كائن تاريخى بطبعه، تجده منذ يومه الأول حريصا كل الحرص على تخليد ذكراه و تسطير صفحات التاريخ باليوم والساعة، فتلك جدران المعابد تنضح عن حقبة تاريخية أبى مدونوها  أن تطوى طى النسيان، و فى كل بيت لابد من ألبوم صور الزفاف أو غيرها خشية أن تضيع فى دوامات الحياة .

ليس الإنسان الكائن الوحيد الحريص على تدوين ساعاته و إحياء ذكرى ميلاده، فتلك شجرة البلوط - بفطرتها - كلما مر عام على ميلادها كونت حلقة خشبية جديدة تدعم لحاءها ربما  ليبقى عدد حلقاتها المساوى لسنين عمرها - بلا إهدار- حجة لها أمام قاضيها الزمان .

كذلك لم يطق البشر القدامى حياتهم سدى بلا وقت محدد، فانطلق الفراعنة يراقبون الأجرام السماوية ويسجلون الدورات حتى توصلوا إلى اليوم والسنة، كذلك استخدموا إناء من المرمر يحتوى على اثنى عشر ثقبا ويُملأ الإناء بالماء، متى فرغ الإناء يكون قد انقضى نصف اليوم فيُملأ ثانية وهكذا دواليك .

أرقت ماهية الزمان العديد من الفلاسفة على مر العصور ولما عجزت الفلسفة أمام تيار الزمن الجارف، لمعت النسبية ببصيص نور فى دماغ أينشتاين ليكشف النقاب عن بعض مفاهيمه .

بالنظر من عل ٍ إلى مسلمى العرب  تجدهم فنوا أعمارا فى كبح جماح الزمن وتعبئته داخل قوالب الساعات الرملية والمائية والرخامية وغيرها و ليس أمامنا الآن سوى أن نسأل: كيف تبدلت بنا الحال من سعى عربى مضن لتفسير الزمان وحساب الوقت و المحافظة على قيمته إلى حالة من اللامبالاة حتى بدقات عقارب ساعاته ؟!

على سبيل المثال كنت أحرص دائما على حضور المؤتمرات الطبية فى الموعد المحدد، و أصارع لتطأ قدمى أرض القاعة فى تمام التاسعة لأفاجأ ببدء الفعاليات مع العاشرة والنصف أو تزيد.

يتأخر المعلم ربع ساعة عن ميعاده فيجور على نصف وقت الراحة المخصص للطلاب ثم يؤنبهم لفشلهم فى إدارة الوقت وتأخرهم عن الحصة التالية .

كذلك كانت لى صديقة فرنسية فى فندق بالقاهرة  توقظنى يوميا مع السادسة صباحا كى نستعد للفطور الذى يبدأ مع التاسعة، حاولت إقناعها أن تلك المواعيد صورية و أن المطعم لن يفتح أبوابه قبل التاسعة والنصف ولكنها استهجنت وما صددتها،

طبعا لا داع للذكر إنها فى نهاية الأسبوع كانت تستيقظ من نومها مع التاسعة والربع .

مواقف كثيرة فقدنا معها قيمة الوقت حتى أدمنّا التأخير وصار عادة قبيحة لا مندوحة لنا عنها .

تكمن المشكلة من بدايتها فى مفهوم الوقت لدى كل منا، فأغلبنا يسيطر الروتين عليه، يدس نفسه بين ساعات يومه لا يعلم كيف يسير بالوقت ولا كيف هو سائر به  إلى أن يدثره المساء معلنا انقضاء أربع وعشرين ساعة من عمره دون إضافة، والبعض الآخر يرى سعادته فى سريره وبين أفراد أسرته  فكلما  مرت ساعات طويلة وهو يغط فى سريره يعتدل منه المزاج .

على النقيض تبرز معادلة أبطال الثورة الصناعية فى دول الغرب لتضرب بمنطقهم عرض الحائط، المعادلة هى الدقيقة تساوى  دولارا فإن أهدر دقيقة بلا عمل كأنه قذف بدولار فى صندوق القمامة .
أما نحن لا نملك سوى  عبارات " الوقت من ذهب " و " الوقت كالسيف " التى فقدت معناها وسط روتين السرد وغياب الاستراتيجيات الناجحة .

أزمتنا تحتاج إلى ثقافة تغيير لا شعارات كهذه، و من المؤكد أن تلك الثقافة لن تتأتى بين يوم وليلة فى مجتمع لا يقدر ذلك اليوم ولا تلك الليلة ،الحل يبدأ من مبادرة قيادية بمثابة الشرارة، فمتى أعلن القائد أنه سيغلق الساحة دون التاسعة وسينتهى من مادته العلمية مع الوقت المحدد دون تمادٍ أو فصال فى دقيقة واحدة سنضطر إلى ضبط ساعاتنا البيولوجية على النظام الجديد إلى أن تصير عادة سائدة تورث .

يمتلك كل منا على وجه الأرض أربعا وعشرين ساعة سواء كنا عالما ناميا أو متقدما، بإمكاننا أن نظل سجناء لتلك الساعات تسومونا أعباء و ضغوطا بلا جدوى، أو نتحرر من قيدها و نطوعها فى تنفيذ استراتيجياتنا .

لنا حرية الاختيار، وسيظل يرقبنا قاضينا الزمان خلف عقارب ساعته إلى أن ينفد صبره،ثم تتصدع جدران ساعته لتعلن عن معركة مع الزمان بالطبع نحن خاسروها.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

Ayman Soltan

Mansoura

مبارك عليكي يا دكتور ميرنا ومن نجاح لنجاح دايماً يارب 🙏 وكل التهاني والتبريكات القلبية 🌸⁦❤️⁩⁦♥️⁩

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة