د.محمد سعيد حسب النبى يكتب: صكوك الغضب

الأحد، 26 أغسطس 2018 02:00 م
د.محمد سعيد حسب النبى يكتب: صكوك الغضب مشاجرة - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تابعت وصديقى شجاراً حاداً بين سائق تاكسى ورجل قد برز من سيارته هائجاً مغتاظاً، ولم نستطع أن نحدد سبب الشجار وسط صياح متبادل وغضب عارم وألفاظ خادشة وتهديد ووعيد ! وما لبث أن فرّق المارة بينهما لينتهى هذا المشهد بضجيجه وعجيجه، وعنفه وعنفوانه، فبادرنى صديقى متسائلاً عن تعبير الناس عن غضبهم بصياح وصراخ هل يجعلهم فى حالة أفضل لأنهم أخرجوا فورة الغضب وخفضوا انفعالهم وتخففوا من أحمالهم النفسية .

ويبدو أن كثيراً من الناس مقتنع بهذه الفكرة؛ فهناك خطأ شائع حول نظرية التنفيس عن الغضب وأثارها الإيجابية، بيد أنه قد وجد أن هذا التنفيس لا يؤثر إلا قليلاً وفى حالات محددة للغاية كمواقف التعبير عن الظلم مثلاً، ولا يؤثر مطلقاً فى حالات كثيرة رغم طبيعة الغضب الإغرائية فى تحقيق الشعور بالرضا.

ولو تتبعنا مواقف الغضب التى نمر بها أو رأيناها فيمن حولنا؛ لوجدنا أن التنفيس عن الغضب هو أسوأ الوسائل لتهدئته، بل واستمرار ثورته يزيد من مستوى الإثارة الانفعالية فيزيد الغضب ولا يقل، وقد تابعت عن كثب كثيراً ممن استشاطوا غضباً عندما سردوا شعورهم فى أوقات غضبهم؛ فوجدت أنهم كلما استرسلوا فى غضبتهم كلما ساء تأثير الغضب على حالتهم النفسية، والفعال والمنصف أن نضبط نوبة الغضب فى مهدها، والضبط يعنى التحكم والسيطرة ولا يعنى القمع المطلق الذى لن يتحقق لكوننا بشر، ويتماهى ذلك مع ما قاله حكيم التبت "شوجيام ترونجبا" عندما سئل عن أفضل وسيلة للتعامل مع الغضب فقال: "لا تقهره.، وإياك أن تطيعه" وقبله وبعده جاءت الأديان توصى باجتناب الغضب.

والقضية فى الغضب معقدة للغاية؛ فهى تجعل المستسلم له يدور فى حلقة مفرغة من الهياج المتزايد الذى لا يسلم لشيء، وانفلات الأعصاب ونوبات الثورة النفسية تحصر الإنسان وراء قضبان رؤية واحدة جامدة، أو قد تنعدم الرؤية فلا يفكر الغاضب إلا فى الانتصار لنفسه وإسكات خصمه.

والعجيب فى الأمر أن تكرار هذا الانتصار يغمس صاحبه فى حالة من الغضب المزمن؛ فيدمن ذهنياً نوبات الغضب فى ما يستحق وما لا يستحق من مواقف، ويصير معروفاً عنه أنه عبوس غضوب، ليتجنبه الناس ويتقوا غضبه وحنقه، وهكذا ينال صك الغضب السيكولوجى الذى يخوله فعل ما يشاء  .

علينا أن نتحدى شعور الغضب فنحاصره فى مراكز الاستقرار النفسي، ولنبعد الأفكار السوداوية التى تدور حول الانتقام والانتصار والاحتقار، ولنفكر فى الألفاظ ومعانيها وأثرها فى متلقيها، ولنتعود ابتسامة صادقة وهدوءاً متزايداً.، وسنجد ترياقاً شافياً لشعور الغضب ودواء ناجعاً لما نصادف من أزمات.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة