حين يفتقد التاريخ من يزوره، يصبح مزارًا خاليا إلا من رائحة صاحبه، الموجودة بين سطور كتاباته عاشقًا للإسكندرية، التى عاش فيها طفولته، ولم يرض بغيرها موطنًا يعيش ويموت به.
متحف الشاعر اليونانى كفافيس، على الرغم من رخص ثمن تذكرة زيارته إلا أن القليل من المصريين هم فقط من يزوره، وعدد من الأجانب الذين سمعوا عنه، يتوافدون على زيارته بين الحين والآخر.
"ودع الإسكندرية التى ترحل، بالأخص لا تنخدع لا تقل أنه كان حلمًا أو أنك أخطأت السمع لا تصدق مثل تلك الآمال الباطلة، كمن هو مستعد منذ زمن كشجاع جسور، كما يليق بمن هو مستحقًا لمثل هذه المدينة، اقترب بثبات من النافذة، واستمع متأثرًا دون توسلات أو شكاوى الجبناء، استمع حتى النهاية للنغمات، للآلات الرائعة من الفريق الخفى وودعها، ودع الإسكندرية التى تضيع منك". كانت هذه أشهر قصائد الشاعر اليونانى "كفافس" الذى ولد فى الإسكندرية بعد أن هاجر إليها والداه اليونانيان هروباً من الحرب فى بلادهم، وعاش مع أخواته السبعة، حتى توفى والده وهو فى عمر التاسعة، فقررت والدته الذهاب إلى ليفربول فى إنجلترا.
تفاصيل عودته مرة أخرى إلى الإسكندرية، يحكيها محمد السيد مدير متحف كفافس، الذى تم تأسيسه عام 1992 بمبادرة من كوستيس موسكوف الذى تفاوض مع صاحب البانسيون الذى كان المنزل قد تحول إليه بعد وفاته، قائلًا: بعد 7 سنوات من هجرة كفافى ووالدته وأخواته إلى إنجلترا، عاد مرة أخرى، مع اثنين من أخواته، أحدهما عاش بالقاهرة ومات فيها، بينما أصر كفافى على البقاء فى الإسكندرية.
يقول محمد السيد: والد كفافى كان تاجر مشهور جدًا، ودعاه الخديوى إسماعيل لافتتاح قناة السويس مع الملكة أوشين وأهداه الوسام المجيدى، وكان أول من أدخل صناعة حلج القطن فى مصر، ولكن كفافى، بعد عودته من الخارج كان قد تعلم 5 لغات، فعمل مترجمًا فى مبنى وزارة التفتيش والرى، الذى أصبح الآن فندق "متربول" الشهير، وكان يعمل بعد الظهر،فى مبنى بورصة القطن الذى أمم منه جمال عبد الناصر قناة السويس سنة 1970.
ويضيف أمين المتحف: كفافى لم يتزوج طوال حياته، وعاش آخر 25 سنة من عمره وبالتحديد من سنة 1908 إلى 1933، فى هذه الشقة التى تحولت إلى متحف، حتى دفن فى مقابر اليونانين فى الشاطبى، بجوار والده ووالدته وشقيقته التى ماتت بالإسكندرية أيضًا.
ويكمل محمد السيد: كفافى كان أحد أهم شعراء الإسكندرية، فى هذه الفترة التى كانت فيها مدينة كوزموبوليتانية، وكانت مركزاً هاماً للكتاب والناشرين اليونانيين فى ذلك الوقت، وتم تقديم كفافيس إلى القراء الأنجليز من خلال فوستر والذى كان يلقبه بالشاعر بترجمة إنجليزية لبعض قصائدة، ومنذ ذلك الحين ترجمت أشعار كفافيس إلى ٢٥ لغة بالإضافة إلى العربية التى يتحدثها المصريون.
ومن خلال السير فى طرقات ضيقة، داخل منطقة محطة الرمل الشهيرة، ترتفع لافتة باسم شارع كفافس، الذى أصبح باسمه مؤخرًا تمجيدًا له على حبه وأشعاره فى حق الإسكندريه، وعلى الرغم من أن المنزل ليس فقط عبارة عن متحف كفافى، حيث توجد شقق سكنية كثيرة فى العقار، إلا أن متحف كفافى يعلن عن نفسه بتاريخه العريق الظاهر على أبواب المنزل، وبوثائقه وكتبه الشعريه وأعماله الموجودة بداخله.
وبقيمة خمسة جنيهات فقط، تستطيع أن تتعرف على حياة الشعر اليونانى، وتاريخ الإسكندرية والحروب التى واجهت مصر، خلال حياته، حين تدخل منزله الذى يضم قائمة من أروع ماكتب، بالإضافة إلى العديد من الصور الخاصة به وبأسرته، وتمثال رخامى له، كما احتفظ المتحف بسريره الشخصى الذى كان يرقد عليه ومكتبه التراثى القديم، وعدد من المقاعد التى كانت مصنوعة من خشب الأرابيسك، بالإضافة إلى شهادات التقدير التى حصل عليها.
وعن أسباب وفاته يتحدث مدير متحف كفافس، قائلًا: أصيب كفافى بسرطان فى الحنجرة، وسافر إلى اليونان ليجرى جراحة عاجلة هناك، إلا أنها تسببت فى فقدان صوته بعد انقطاع أحباله الصوتية، فدخل مستشفى "كونسيكا اليونانى" وبقى فيها نحو شهرين، إلى أن توفى 29 إبريل 1933 عن عمر يناهز 70 عامًا.





















