د. محمد سعيد حسب النبى يكتب: الشجرة

الثلاثاء، 14 أغسطس 2018 12:00 م
د. محمد سعيد حسب النبى يكتب: الشجرة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

انتقل الصغير الذي لم يكد يبلغ عامه الخامس بعدُ إلى قرية صغيرة تكثر فيها الأشجار الباسقات ذات الغصون الملتفة ، ولم يكن الصغير معتاداً على مايماثل هذه الطبيعة ويحاكي لفائف أشجارها ، وكان متلهفاً لتسلقها جميعاً. وبالفعل شرع بتسلق إحدى هذه الأشجار، وأخذ ينتقل من فرع إلى فرع كعصفور لاهٍ وهو يسشعر الإثارة خاصة عندما وصل إلى أعلى مكان فيها. ولما هَمَّ بالهبوط نظر إلى الأسفل فأصيب بفزع شديد زاد من تشبثه بالأغصان، وصرخ بأعلى صوته يستنجد بأمه قائلاً: النجدة.. النجدة..لا أستطيع الهبوط .

جاءت أمه تهرول مسرعة تبصر ما أصاب ابنها الصغير، ولما شاهدت مكانه خفق قلبها وغلت دماؤها في عروقها، واستحالت نفسها تنور نار يفور ويتأجج خوفاً وكمداً!ولكن ما لبثت أن كظمت حنقها،ممسكة بفؤادها،وربطت جأشها،وقالت في هدوء : يا بني إنك تتشبث بقوة بأغصان الشجرة ، وهذا أمر  جيد ، ولقد استطعت أن تصعد الشجرة بمفردك ، ولاشك أنك قادر على هبوطها دون عون من أحد . شعر الصغير بالاطمئنان لسماع كلمات الثقة من أمه، وأحس بالقدرة والكفاءة، فقد تسلق وحده الشجرة حتى بلغ قمتها، والتحدي الآن يكمن في العثور على طريق يقوده لأسفلها، وبالفعل بدأ بتلمس خطاه ببطء وحذر حتى بلغ أديم الأرض آمناً.

لاشك أنه من الصعوبة بمكان أن نتماسك أمام صدمة مباشرة من صدمات الحياة المعتادة وخطوبها التي تتوارد علينا ليل نهار، والتي قد يصاحبها استجابة قانطة تطيح بنا وتستتبع ندماً وتحسراً وأسفاً. والقدرة على التحكم في الذات في أثناء الصدمة وحسن التصرف حيالها أشبه ما يكون ببناء منزل في أثناء ثورة زلزال. ولكن إذا حالفك النجاح وقمت ببناء ذاك المنزل متماسكاً.

والعجيب في الأمر أن تلك اللطمات تُدخر كمخزون خِبْري، يتراكم يوماً بعد يوم في سلسلة لا تنتهي من الخبرات، وخاصة تلك المواقف التي يتغلب فيها المرء على أزمة من أزمات حياته ؛ خُلّي بينه وبينها ليبحث بنفسه عن انفراجة لها ، مما يُكسب المرء ثقة تجعله يؤثر في الأحداث التالية بطريقة إيجابية. وهذا ما حدث مع الطفل الصغير عندما التحق بالمدرسة وواجه مهاماً كان الجميع يراها صعبة ؛ إلا أنه سرعان ما يتذكر الشجرة ؛ فيدرك أنه قادر على اكتشاف الأشياء وفهم كنهها فيواصل المحاولة تلو المحاولة ، والإنجاز تلو الإنجاز مغالباً الصعاب حتى يحقق النجاح الذي كان يراه في ارتقاء الشجرة والهبوط لأصلها سالماً ، وكل نجاح يبلغه يتحول إلى تأكيد إضافي على قدرته على الفوز والانتصار.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة