لا تتعجل عزيزى القارئ بالحكم على عنوان المقال فهو ليس (كوبليه) أو جزء من أغنية (عبد المنعم مدبولى) نسأل الله له الرحمة والمغفرة، بل هو حال الأمة جميعاً (إلا من رحم ربى)، فأمة بأكملها تعيش على الأطلال، فلا يسعك إلا أن (تعض على شفتيك) وأنت تستمع لحكايات الماضى الجميل من كبار السن، وهذا قد يكون من حقهم فقد عاشوا حقب جميلة فى كل شيء رغم الكد والتعب على (لقمة العيش) إلا أنهم ما زالوا يمتدحونها وهذا يعبر بالتأكيد عن الماضى القريب.
أما غير المبرر أن تجد من هو فى مقدمة القوم من مثقفين وأهل حل وعقد، تجد هؤلاء جميعاً شغلهم الشاغل (الفعل كان) ليس لأنهم (ضلعاء) فى اللغة العربية على رأى الفنان (نجيب الريحانى) بل لأنهم يشتركون فى (ملهاة) واحدة وهى إلهاء الناس عن المستقبل، فتجد معظم الأحاديث منصبة على أجدادنا الفراعنة حيثُ سبقوا العالم فى كل شيء وهذا فى حد ذاته أمر مشرف، ولكنه أمر غير مبشر بالخير، فهؤلاء الغوغاء أوقفوا التاريخ على حقبة معينة كانت فيها مصر فى المقدمة .
فالجميع اتفق على كان، ولكن أين الآن وغدا؟ هل سقطوا من التسلسل التاريخى؟ وهل سيعيش شباب الوطن وصانعى المستقبل على أطلال هؤلاء؟ فالتاريخ المشرف يحتاج بكل تأكيد لمستقبل مشرق يستوجب البدء من (الآن) ليس بالكلام المعسول ولا بالخطب الرنانة، فمركب الوطن طال إرساؤها على شاطئ الذكريات وحان لها أن تلاطم الأمواج بعلم وحرفية معتمدة على ثباتها الراسخ وصناعتها المتينة التى صُنعت من أجود خامات، فهذا الثبات يعطى الطمأنينة لمن هم فى المركب ولكن يحتم عليهم أن يُعيدوا كتابة التاريخ بشكل حضارى ليس فيه تنكر للماضى وقيمه النبيلة، وعدم تقليد الغير فى كل شيء حتى فى أراذل تصرفاته وصفاته .
وما ينطبق على مصر ينطبق بكل تأكيد على عالمنا العربى والإسلامى، فالجميع يجتر الذكريات الجميلة عن أجدادهم الذين جابوا الأرض من مشرقها إلى مغربها ونشروا فيها سماحة الإسلام ودعوة سيد الأنام (صلى الله عليه وسلم)، ولكنهم فى وسط هذه الأحلام الوردية نسوا الدور الذى عليهم فعله فوهنوا واستكانوا ليستغل الفرصة أهل التطرف ليشوهوا دين الله بأفكار ما أنزل الله بها من سلطان، ولكنها كانت نتيجة حتمية لما نحن فيه من تشرذم، فقد تركنا قضايا أوطاننا والبحث عن الوحدة والتكامل ليكمل بعضنا بعضا واستمعنا للغة الشيطان الإنسى الذى حرض الجميع على الجميع ليقتل بعضنا بعضا، إما بحثاً عن الدنيا ومفاتنها وإلهائها أو تنازع على الملك والسلطان والذى سيأتى يوم القيامة خزى وندامة كما أخبرنا عنه رسولنا الكريم .
فهل نتخذ من (زمان) رصيد حر يمنحنا القدرة على الاستمرارية فقد ورثنا تاريخاً مشرفاً؟، أم أننا سنجلس نجتر الذكريات التى هى سلاح ذو حدين فإما تعطيك الدفعة التى تجبرك أن تكمل مسيرة من سبقوك، وإما أن تكون معول هدم وذلك عندما نكتفى بها ونتشدق بتاريخ لم نشارك فى إنجازه ولكننا ساعتها سنكون مثل ( ..، ) التى تتباهى (بشعر بنت أخيها).
لا أخفيك سراً يا عزيزى القارئ أننى كنت أبحث قبل البدء فى كتابة مقالى هذا عن الكلمات المؤلمة التى قد تعمل على (الوخز) فى ضمائر هذا الجيل الذى أراه أصبح كل همه متابعة (النت) والجلوس على المقاهى والاستماع للشائعات التى أصبحت صناعة للبعض من الداخل ومن الخارج، لتجد آذانا مصغية لا تفرق بين الكذب والحقيقة لان الآذن التى تلتقط تلك الشائعات وتروجها عن جهل لم تجد لها الحقائق الظاهرة والواضحة وضوح الشمس .
فمن أهم أسباب التقاط الأكاذيب والشائعات ما نسميه ضبابية المشهد بسبب عدم الوضوح والمصارحة فى معظم الأحيان وهذا يسهل عملية التقاط الأكاذيب أكثر من الحقائق لتخرج لنا إنسان أقرب للبلاهة فلا تجدى معه الحقائق ولا الشائعات، فنحن الآن فى أمس الحاجة لشباب واعى ومدرك حقيقة نفسه وحقيقة تاريخه المشرف الذى يحتاج منه مجهود مضاعف، ولكن على الجانب الآخر كان لزاما على الدولة بل كل دولنا العربية أن توضح الحقائق أولاً بأول وأن نعتمد مبدأ الشفافية ليعرف كل شخص ما له وما عليه، وحتى لا تستشرى فيهم شائعة كل ناعق وكل حاقد، فمصر وعالمنا العربى فى احتياج لمجهود شبابنا بناة المستقبل بفكرهم ونشاطهم بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب والتغنى بأطلال الماضى (استقيموا يرحمكم الله).
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن علي العمدة
احسنت استاذنا
احسنت استاذنا المحترم اوقات كثيرة تمنيت ان اولد واعيش في زمن مختلف غير زمننا هذا واتخيل هل سيتغير حالي واكون ذو فائدة للاجيال القادمة بعدي. لكن اتذكر قول الشاعر نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا