د. محمد سعيد حسب النبى يكتب: داء الإحباط

الثلاثاء، 24 يوليو 2018 08:00 م
د. محمد سعيد حسب النبى يكتب: داء الإحباط د. محمد سعيد عبد النبى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تسابقت الظباء تقفز مختالة على أطراف غابة نائية، وفجأة سقط ظبيان في بئر ماء عميقة غائرة، اجتمعت الظباء حول البئر لترى ما أصاب الظبيان، ولما شاهدت الظباء عمق البئر صاحت بالظبيين اللذين سقطا: إنكما لا محالة هالكان، فالبئر عميقة ومن المستحيل ارتقاؤها، حاول الظبيان القفز بكل ما أوتيا من قوة وطاقة وسط صياح الظباء بتوفير هذه المحاولات التى لا طائل من ورائها وليستسلما للموت فذلك أفضل.. وبالفعل رضخ أحداهما منتظراً الموت، أما الآخر فقد دأب على المحاولة جهد طاقته، والظباء لا تسكت عن النصيحة بالاستسلام، والظبي لا يأبه ويكابد مثابراً متحمساً حتى بلغ حافة البئر ليخرج منها سالماً. فما لبث أن أحاط به الظباء يسألنه عن إصراره وتجاهله النصائح التي لم تهدأ لحظة بقبول القدر والخضوع للموت، فاندهش الظبي قائلاً لهن: أنا مصاب بصمم جزئى، ولم أسمع كلامكن بوضوح؛ وإنما كنت أظن أصواتكن كلمات تشجيع لي حتى أسرع الخطو للخروج من البئر!
 
إن فى طباع الناس عللاً تعز في كثير من الأحوال على الدواء، ولست أدري أأكثر الناس معلولون بهذا الداء أم تلك قلة عكرت صفو الحياة كما يعكر عذوبة الماء حفنُ الملح؟! ذلك داء الإحباط الذي تحمله كلمات التثبيط واليأس، يبثها صاحبها فتسري في وجدان متلقيها كشوائب تتراكم يوماً بعد يوم مخلفة عللاً واضطرباً نفسياً وخوراً وضيقاً قد يسلم إلى الهلاك.
 
بينما الأسوياء الإيجابيون من الناس تراهم وقد امتد نفعهم ليكسو غيرهم قبل أن تذوقه أنفسهم، فلا يصدر عنهم إلا الجميل، ولا يتوقع منهم إلا الخير، قلوبهم مفعمة بالصدق، ولسانهم رطب بالود، وأيديهم مبسوطة بمعروف تفيء ظلاله على من يلقوه، يبذلونه بغير جهد ومشقة. إنهم مصابيح للناس في ظُلَم الحياة، يوردونهم روافد الفضل والبركة، فيكونون عوناً على تقريب كل بعيد وتذليل كل صعب.
 
ولأننا فى حظوظ الرزق مختلفون، ولأن إنفاقنا واجب وفق لون ما وهبنا؛ فالقوي ينفق من قوته، والغني ينفق من ماله، والبليغ ينفق من بيانه، وهكذا يقدم كل منا ضريبة تنفعه وينفع بها مجتمعه الذي يحيا فيه. ومن وجد نفسه في مرتبة دون هذه وتلك، فلا مال ولا بيان ؛ فعليه أن يلزم الصمت وليمسك عن كل ما يحبط ويسيء من خبث الكلام .
 
وكما يجلو الماء درن الأجساد ، كذلك الكلم الطيب الذي يشف عن طبيعة نقية، يكتسح ما في القلوب المتحجرة من غبار متراكم، ويمدها بما يُحييها فيبدل يبسها خضرة، وجفافها نداوة، وقفرها روضاً يبش له الناظرون .
 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة