كان هناك فلاح يعيش فى إحدى القرى الزراعية وكانت لديه بقرة قوية سمينة ... وفى إحدى الليالى نسى الفلاح أن يُغلق باب المنزل وإستطاعت البقرة أن تفك وثاقها ... فخرجت من مكانها وانطلقت خارج المنزل, هائمة على وجهها طوال الليل ... لتجد نفسها فى الصباح فى غابة كبيرة على بعد أميال من موطنها الذى كانت تعيش فيه .. وتلفتت البقرة حولها لتجد قطيعا من البقر المتوحش على بعد أميال منها, وعندما اقتربت منه وجدت بقرة من القطيع تجلس بمفردها فرقدت بجوارها وقالت لها : إننى أرى هيئتك بصفة عامة كهيئة البقر ... ولكن هناك بعض الإختلافات بيننا وبينك…مثل طول القرون وكثافة الشعر وسمك الجلد.
وأخذت كل بقرة تتحدث مع الأخرى عن تفاصيل حياتها ومعيشتها .. فتمنت كل بقرة أن تعيش الحياة التى تعيشها الأخرى .. واتفقت البقرة البرية على أن تذهب الى مزرعة الفلاح بدلا من البقرة المستأنسة .. حيث كانت تحلم بالعيشة الرغدة .. والطعام الوفير الذى سيقدمه لها الفلاح .. والأمان الذى سيوفره لها, بعيداً عن خطر الحيوانات المفترسة الموجودة فى الغابة .. بالاضافة الى أنها ستعيش داخل بيته بعيداً عن برد الشتاء وحر الصيف بدلا من بياتها فى العراء والذى كان يعرضها للصعوبات والمهالك .
كما اتفقت البقرة المستأنسة أن تذهب الى الغابة بدلا من البقرة البرية ..حيث الحرية والإنطلاق .. فلا يوجد من يربطها ويشد عليها الوثاق كى لا تهرب.
وبالفعل ذهبت البقرة المتوحشة إلى الفلاح ودخلت داره حيث كان الباب مفتوحاً ، وعندما رأها الفلاح صاح قائلاً " بقرة ... لقد عوض الله علينا ... يا كريم يا رب ..
جاءت زوجة الفلاح مسرعة ونظرت إليها وأمعنت النظر فيها ولكنها استغربت شكلها !! حيث كان ضرعها صغير جداً وقرونها طويلة حادة وتبدو نحيلة هزيلة كأنها خارجة من القبور .
رد عليها زوجها : إنها جبلية ... إحضرى الحبال والسلاسل بسرعة لكى نربطها ... ثم ألقى إليها ببعض البرسيم لكى تأكل ..
تشم البقرة رائحة البرسيم فتجد له رائحة لم تعتادها ، وتنظر إلى الجدران الأربعة فتتعجب من ضيق المكان وحدوده ... وترفض الطعام حيث لا تعرفه ولم تراه من قبل.
الفلاح : لماذا لا تأكلين ؟ أتشعرين بالغربة ؟ أم أن الأكل لا يناسبك ؟
ثم يذهب الفلاح ويحضر لها بعض البذور ويضيف إليها بعض النخالة ثم يضعه أمامها ... فتأكل منه البقرة قليلاً ثم تمتنع ..
مر حوالى خمسة عشر يوماً والبقرة ممتنعة تقريباً عن الأكل .. إلا ما يمسك عليها حياتها فقط.. وقرر الفلاح أن يأخذها الى الجزار ليبيعها اليه .. وفى الطريق تضربه البقرة بقرونها وتولى هاربة إلى موطنها الأصلى (الغابة)... وفى الطريق تقابل البقرة المستأنسة وهى عائدة إلى منزل الفلاح ... فجلستا تتحدثان عن حالهما :
المتوحشة : كيف ترضى بالعيشة فى حجرة ضيقة .. رطبة .. مبتلة .. تتناولين فيه طعامك ... وتقضين فيه حاجتك ... وتنامين فيه ملئ جفونك ... إن الحشرات والزواحف سكنت فى جلدى حتى تشقق.
المستأنسة : أليس هذا ما كنت تحسديننى عليه ؟
المتوحشة : وماذا فعلت أنت بحرية الصحراء وإنطلاقها؟ ألم تروقك؟
المستأنسة : لقد شققت حرارة الشمس جلدى وضروعى وكدت أهلك من الجوع والعطش والحيوانات المفترسة ... ولذلك قررت العودة إلى محمود الفلاح.
المتوحشة : ما هذا الذى نفعله؟ هل خلقنا من أجل الرفض والتمرد وعدم الرضى بالواقع والإحتجاج الدائم عليه ؟
المستأنسة : لا لم نخلق لهذا وإنما هو لقصور تفكيرنا وعدم فهمنا لحقيقة الحياة ..
المتوحشة : كيف ذلك ؟
المستأنسة : فأهل البادية مثلاً يضيقون ذرعاً بما ينغص عليهم حياتهم من مساوئ وشر الصحراء ونوازلها من حر وجدب وصراع وينسون أو يتناسون مميزاتها وفضلها حيث رحابة المكان ونقاء الهواء.
المتوحشة : وكذلك أهل الحضر يتبرمون ويسخطون على مساوئها التى تؤلمم ولا يقدرون ما فيها من نعم وفضل حيث أنهم ألفوه واعتادوه.
المستأنسة : لذلك يسخط كل منا على واقعه ويتمنى تغييره بأن يحل محل الأخر الذى يحسده على النعيم الذى يحياه ويغوص فيه.
المتوحشة : ولا يحاول أن يتعرف على الجانب المظلم لدى الطرف الأخر ... الذى تختبئ بداخله الهموم والمشاكل التى يتوجع منها ويتألم لها ويشقى معها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة