سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. هل قتل هتلر ابنة أخته بسبب رغباته الجنسية؟

الخميس، 07 يونيو 2018 02:00 م
سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. هل قتل هتلر ابنة أخته بسبب رغباته الجنسية؟ هلتر
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل قتل هتلر ابنة أخته بسبب رغباته الجنسية؟.. هذا السؤال يجيب عليه بول أرون فى كتاب ألغاز تاريخية محيرة والذى ننشره فى سلسلة سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.

فى صباح يوم 19 سبتمبر 1931، عثر على امرأة فى الثالثة والعشرين من عمرها، تدعى جيلى راوبال، مقتولة فى شقة أدولف هتلر بميونيخ. وكانت وفاة راوبال، وهى ابنة أخت هتلر غير الشقيقة، بطلق نارى من مسدسه، ووجد السلاح بجوار الجثة.

بالنسبة إلى هتلر، كان ذلك التوقيت هو الأسوأ على الإطلاق؛ فقد كانت الانتخابات التى جرت فى العام الماضى قد زادت من عدد النازيين فى الرايخستاج أو البرلمان من 12 إلى 107 أعضاء؛ ما جعل الحزب على أعتاب السلطة. وكان بإمكان فضيحة كهذه فى ذلك التوقيت، خاصة إذا كان يتخللها اتهامات بالجنس والقتل، وهو الشكل الذى اتخذته تلك الواقعة، أن تعيد هتلر والنازيين سريعا إلى هامش الحياة السياسية الألمانية.

وبالفعل لم تتوان الصحف المناهضة للنازية عن تناول القصة بشراسة. وسرعان ما ترددت قصص عن أن السيدة ذات الثلاثة والعشرين ربيعا كانت عشيقة هتلر وابنة أخته أيضا. وقد أفادت جريدة بوست الصادرة بميونيخ بأن راوبال كانت مصابة بكسر فى الأنف؛ ما يشير ضمنا إلى أن هتلر قد قتلها فى نوبة غضب؛ ربما لأنه علم بأنها تضاجع شخصا آخر غيره، أو ربما لأنها هددته بفضح بعض ممارسات خالها الجنسية الشاذة أمام الرأى العام. وأشار البعض إلى أن راوبال قد دفعت إلى الانتحار، إما بسبب غيرة هتلر القاتلة أو مطالبه الجنسية.

وباستجواب المحققين له، أفاد هتلر، الذى كان على ما يبدو مرتبكا وفزعا، بأنه قد رآها آخر مرة فى اليوم السابق للعثور على الجثة. ودار بينهما جدال حول خطتها للحصول على دروس فى الغناء فى فيينا، وما اعتراها من غضب لأنه قد منعها من الذهاب إلى هناك بمفردها، إلا أنها هدأت فيما بعد. وأردف هتلر أنه غادر من أجل المشاركة فى اجتماع عام للحملة فى نورنبرج. وهناك علم بوفاتها. وعلى الفور هرع عائدا إلى ميونيخ، ولم يتوقف إلا لأخذ مخالفة لتجاوز السرعة المسموحة، بالقرب من نصف المسافة.

لم يكن لدى طاقم العاملين فى شقة هتلر الكثير لإضافته لقصة هتلر. فقد ذكروا أن راوبال هرعت خارجة من غرفة نوم هتلر، وكان واضحا عليها الضيق، ولكن لم يكن لديهم أدنى فكرة عما ضايقها أو ما حدث بعد ذلك.

لم تجد الشرطة أى علامات لكسر فى الأنف، أو أى دليل على أن راوبال قد تعرضت لأى اعتداء. وقرروا أن الوفاة نتيجة انتحار. ولكن لما كان هناك الكثير من النازيين المتعاطفين يشغلون مناصب عليا فى وزارة العدل البافارية، ظن كثيرون أن الشرطة تعرضت لضغوط لاختصار التحقيقات. وقد يكون العاملون فى المنزل قد تعرضوا أيضا لضغوط من قبل مسئولين نازيين، لا سيما أن المسئولين بالحزب كانوا متواجدين بالفعل فى مسرح الأحداث لدى وصول المحققين.

لذا ظل التحقيق مفتوحا، على الأقل من وجهة نظر المؤرخين، وقادهم بحثهم عن دليل يثبت أنه قد قتل راوبال إلى أعماق عقل أدولف هتلر الشديدة الظلام.

كان من بين من ظنوا أن هتلر قتل راوبال بعض الأعضاء السابقين فى دائرته الداخلية. وأبرزهم أوتو شتراسر، الذى قام بإصدار جريدة نازية مؤثرة، وكان شقيقه جريجور نائب زعيم الحزب. وقد قتل جريجور، الذى نافس هتلر فيما بعد على زعامة الحزب، فى عام 1934؛ بينما هرب أوتو إلى سويسرا.

فى كتابه الصادر عام 1940 بعنوان "هتلر وأنا"، أورد أوتو شتراسر ثلاثة أدلة على، ارتكاب هتلر الجريمة؛ الأول: حوار دار بينه وبين أحد القساوسة أخبره فيه بأنه قد دفن راوبال حسب المراسم الكاثوليكية، وهو شىء لم يكن ليسمح بفعله لو كان يعتقد أنهاا نتحرت؛ الثانى: حوار مع شقيقه جريجور الذى قال إنه قد سمع من هتلر مباشرة أنه قتل راوبال؛ وأخيرا: قصة (لم يذكر شتراسر مصدرها) عن أن فريتس جيرليش، وهو محرر معروف مناهض للنازية، كان يخطط لنشر تحقيق كبير عن الجريمة فى عدد 12 مارس 1933 من جريدته.

ولكن فى 9 مارس، اقتحم جنود فرقة الانقضاض النازية مكاتب الجريدة، ودمروا جميع الملفات، وألقوا القبض على جيرليش. وقد لاقى جيرليش نفس مصير جريجور شتراسر؛ حيث قتل فى عام 1934. لم يوضح أوتو شتراسر دافعال قتل راوبال، ولكنه أشار بشكل ضمنى إلى أنه كان نتيجة غضب هتلر من مواعدتها رجالا آخرين.

قدم إرنست هانفشتنجل، الذى كان فى وقت من الأوقات سكرتير هتلر للدعاية الخارجية، المزيد من التفاصيل؛ فقد قال إن راوبال لم تكن تواعد رجالا آخرين فحسب، بل حملت من أحدهم أيضا. وكان الأب المحتمل للطفل مدرس رسم. والأسوأ، من وجهة نظر هتلر، أنه كان يهوديا. كانت راوبال قد التقت مدرس الرسم عام 1928، وكانت ترغب فى الزواج منه.

وقد كان قمة الإذلال والعار على المستوى الشخصى والسياسى أن يأتى يهودى لينتزع منه ابنة أخته؛ وحبيبته؛ لذا أرغم هتلر راوبال على الانتحار كما أفاد هانفشتنجل. ولم يتضح من روايته كيف فعل ذلك، وإن كان قد أشار ضمنيا إلى أن الأمر يتعلق بتهديدات بشأن والدتها. وأضاف هانفشتنجل أن العائلة بأكملها قد اعتبرت هذه القصة حقيقية على أى حال؛ بل إنه نفسه علم بهذا من بريدجيت هتلر، زوجة شقيق هتلر ألويس.

فى كتابه الصادر عام 1944 بعنوان "الفرهرر"، ذهب المؤرخ الألمانى كارل هايدن إلى أن قائد وحدات إس إس (أو شوتزشتافل) هاينريش هيملر، وليس هتلر نفسه، هو من كان مسئولا عن موت راوبال. وفى الحقيقة، كان هتلر يحب راوبال، كما ذهب هايدن، وأراد الزواج منها. ولكن هيملر أراد تجنب فضيحة، إما لظنه أن راوبال كانت تضاجع شخصا آخر، أو لأنها هددت بفضح ممارسات خالها الجنسية. ولم يكن هايدن متأكدا من كونها قد قتلت أو دفعت إلى الانتحار، ولكنه كان واثقا من أن المسئولية تقع على النازيين. وقال إن مصدر معلوماته هو صديقة لوالدة راوبال.

كانت المشكلة فى كل هذه الروايات أنها كانت جميعا قائمة على شائعات لا دليل عليها، روج معظمها أقارب هتلر ومعارف سابقون، والذين كانوا فى الغالب أقل اهتماما بالحقيقة من تسوية الأحقاد وإعفاء أنفسهم من المسئولية. وكان أولئك هم الأشخاص الذين اعتبرت شهادتهم محل شك من قبل المؤرخين اللاحقين، وهو ما كان منطقيا لحد كبير. (وإنصافا لهايدن، لا بد أن نضيف سريعا أنه طالما كان عدوا لهتلر، على عكس شتراسر أو هانفشتنجل. ولكن قصته جاءت أيضا من أحد الأقارب البائسين).

علاوة على ذلك، فقد وفرت مخالفة تجاوز السرعة القصوى لهتلر حجة تبرهن على وجوده فى مكان آخر. بالتأكيد لم تكن حجة منيعة، بالنظر إلى أن الشرطة والشهود الآخرين على المخالفة ربما كانوا متعاطفين مع النازيين أو خائفين منهم، ولكن لم يكن هناك دليل لدحضها أيضا. أما فيما يتعلق باتهام هايدن لهيملر بأنه المسئول عن الجريمة، فقد بدا خاليا من المنطق؛ فلو كان دافعه فى قتلها هو تجنب فضيحة، فما كان ليترك الجثة فى شقة هتلر، أو يترك مسدس هتلر بجوارها.

لذا، وعلى الرغم من عدم إمكانية استبعاد وقوع جريمة قتل، فقد بدا حكم الشرطة بأن الحادث كان انتحارا هو الأرجح. ولكن ظل هناك بعضالأسئلة الجوهرية (والمثيرة): هل دفع هتلر ابنة أخته إلى الانتحار؟ وماذا كانت طبيعة علاقتهما؟ لم يكن هناك أدنى شك عند هايدن فى أن نوايا هتلر تجاه راوبال كانت أكثر من نوايا خال تجاه ابنة أخته.

كانت إحدى القصص التى رواها هايدن، دون تسمية مصدره، تتعلق بخطاب كتبه هتلر إلى راوبال وفيه عبر عن مشاعر يمكن توقعها من رجل له ميول مازوخية ومولع جنسيا بالغائط ويشارف على الولع الجنسى بالبول"، ولمزيد من الصراحة، كان ما يقصده هايدن أن هتلر قد أصبح يستمد الإثارة الجنسية من تبول امرأة عليه. لم يصل هذا الخطاب إلى يد راوبال مطلقا، بل وقع بدلا من ذلك فى يدى أحد المبتزين. وفى عام 1929، بحسب هايدن، دفع فرانز شفارتز أمين صندوق الحزب النازى للمبتز واسترد الخطاب.

روى هانفشتنجل قصة محاولة ابتزاز مختلفة، وقد وقعت بعد ذلك بعام. فقد تذكر حين هرع إلى شوارتس فى عام 1930، بعد أن اشترى أمين الصندوق من أحد المبتزين مجموعة من الرسوم الإباحية التى رسمها هتلر لراوبال. ألقى هانفشتنجل نظرة خاطفة على الرسومات، وهاله ما رآه، واقترح على شفارتز أن يمزقها، ولكن شفارتز قال إنه لا يستطيع ذلك؛ إذ كان هتلر يرغب فى استردادها.

لم يكن هايدن يعرف أن هتلر قد تجاوز مرحلة التخيل فيما يتعلق بابنة أخته، ولكن هانفشتنجل كان يعتقد أنه قد تجاوزها بالفعل. واستشهد بمحادثة - لم يسمعها إلا عن طريق مصدر ثالث باعترافه - أخبرت فيها راوبال إحدى صديقاتها أن خالها كان "وحشا" و"لن تصدقى أبدا الأشياء التى يجعلنى أقوم بها" وحسبما أشار هانفشتنجل، كانت هناك سابقة زنا محارم فى العائلة؛ فقد كان والدا هتلر أبناء عمومة من الدرجة الثانية (كان زواجهما يعتبر زنا فى ثقافة ذلك البلد)، وكانت والدة هتلر، التى كانت أصغر من أبيه باثنين وعشرين عاما، تناديه بـ"عمى".

وعلى خطى هانفشتنجل، لم يكن لدى أوتو شتراسر شك فى أن العلاقة بين هتلر وراوبال كانت علاقة كاملة، وأنها لم تكن بأى حال علاقة جنسية طبيعية. ففى حوار أجراه عام 1943 مع عملاء فى مكتب الخدمات الاستراتيجية (سلف وكالة الاستخبارات المركزية وقت الحرب)، كان شتراسر واضحا بشأن مسألة الولع الجنسى بالبول. فقد زعم أنه سمع عنها مباشرة من راوبال، وأنها كانت ترى الأمر برمته "مقززا".

وكما هو الحال مع مزاعم القتل، كان من الضرورى التعامل مع هذه القصص حول حياة هتلر الجنسية ببعض الشك. فلم يكن هانفشتنجل أو شتراسر مصدرا موثوقا به بشكل خاص، وكانت مصادرهما فى الغالب غير مسماة أو حتى أقل موثوقية منهما.

ولم يعبأ شتراسر بتفسير اختيار راوبال المفترض له — لكونه فى ذلك الوقت زميلا مقربا للرجل المفترض أنها كانت ترغب فى الهرب منه — لتأتمنه على أسرارها؛ لذا لم يكن مستغربا أن يعبر أكثر كاتبى سيرة هتلر الذاتية احتراما على مدى الجيلين السابقين - آلان بولوك فى عام 1952، وإيان كيرشو فى عام 1998 - عن شكوك جدية بشأن وجود علاقة جنسية كاملة بين هتلر وراوبال، فضلا عن الانخراط فى أى نوع من الممارسات الجنسية الشاذة. فلم تكن الأدلة كافية.

غير أن شائعات وجود علاقة جنسية شاذة بينهما، على عكس الاتهام بالقتل، كان لها منطق معين. فقد كان كاتبو السيرة النفسية، خاصة الفرويديين، يميلون لرؤية الأسرار الجنسية مندسة فى كل مكان؛ ومن ثم كانت لديهم نزعة خاصة لإيجادها فى شخص سيكوباتى مثل هتلر. وكان ويليام لانجر، وهو طبيب نفسى أعد تقرير مكتب الخدمات الاستراتيجية الصادر عام 1943 عن هتلر، يعتقد أن راوبال وشتراسر كانا صادقين بشأن الولع بالبول. كذلك أورد لانجر لقاءات مع امرأة أخرى، وهى الممثلة السينمائية، ريناتى مولر، التى تحدثت عن لقاءات جنسية بغيضة بنفس الشكل مع هتلر فى عام 1932 فكتب لانجر: من خلال دراسة كل الأدلة، يبدو أن شذوذ هتلر الجنسى كان كما وصفته جيلى".

ولذا لم يكد يكون من الممكن العيب على الفرويديين لأنهم اعتبروا انتحار أو محاولة انتحار ست من النساء السبع - اللاتى أقررن بأنهن قد مارسن الجنس مع هتلر فى وقت من الأوقات - أمرا ذا أهمية. (كانت راوبال من ضمن هؤلاء الست، على فرضأنها لم تقتل، وكذلك إيفا براون التى ماتت مع هتلر عام 1945) فيبدو أنه أيا ما كان هتلر يفعله بالنساء اللاتى ضاجعهن، فإنه كان يسبب لهن بؤسا شديدا.

ولكن مثلما أشار كتاب سيرة هتلر ذوو النزعة الفرويدية الأقل شدة، لم يثْبت أى من ذلك أن المسائل الجنسية كانت أصل المشكلة بالنسبة إلى هتلر، أو للنساء اللاتى ضاجعهن. فلم يكن على المرء أن يصدق أن هتلر كان شاذا جنسيا لتفسير إقدام هؤلاء النسوة على الانتحار؛ فمن الواضح أنه كان لديه الكثير من الصفات المقيتة الأخرى، على سبيل التلطف فى التعبير، بل إن المرء ليعتقد — إلى حد كبير — أن أية امرأة اختارت الانخراط فى علاقة مع هتلر كانت تعانى بالفعل من بعض المشكلات الخطيرة.

وبالطبع لم يكن هتلر من اختيار راوبال؛ فقد انتقلت للعيش مع خالها لأنه لم يكن لديها هى ووالدتها مكان آخر تعيشان فيه، وظل الحال هكذا طوال حياتها. لقد أسرت فى منزل رجل انجذب إليها أيما انجذاب، ولم يأل جهْدا لمنعها من رؤية أى شخص آخر سواه. وقد كان رفضه ذهابها إلى فيينا مجرد حلقة فى سلسلة من القيود المتصاعدة التى فرضها على ابنة أخته منذ انتقلت للعيش معه فى عام 1929.

لم يكن من الضرورى الاعتقاد بأنه كان يجبرها على ممارسة نوع من الشذوذ الجنسى لتخيل معاملته القاسية لها، ولم يكن حتميا أيضا اعتقاد أنهما قد مارسا الجنس معا من الأساس لتصديق أنه دفعها إلى الانتحار.

كان ذلك هو الاستنتاج الذى خلص إليه بولوك وكيرشو، وحذا حذْوهما غالبية المؤرخين. فهتلر، فى رأى الغالبية، ربما لم يقتل راوبال. وربما لم يمارس معها الجنس (وإن كان الإجماع على هذه النقطة أكثر ضعفا)، أو إذا كان قد فعل، فعلى الأرجح أن طبيعة الجنس الذى مارسه معها لم يكن السبب المباشر لموتها. ولكنه كان طاغية؛ طاغية منزليا فى عام 1931، حتى قبل أن يصبح طاغية قوميا بعد ذلك بعامين.

لا بد أن الموت بدا لجيلى راوبال المناص الوحيد.

كانت وفاة راوبال فى نظر كثيرين - ومنهم كاتبو المذكرات من النازيين السابقين - نقطة تحول حاسمة بالنسبة إلى هتلر. فقد كتب هانفشتنجل، على سبيل المثال، أن "بموتها صار الطريق خاليا للتحول النهائى له ليصبح شيطانا" وردد المصور الرسمى لهتلر هاينريش هوفمان، تلك المشاعر؛ إذ استرجع ذكرياته قائلا: "فى هذه الفترة بدأت بذرة الوحشية فى النمو والتبرعم داخل هتلر، فازدادت شهيته للذبح والقتل بشكل مهول فقط بعد وفاة جيلى". وقد كان هذا النوع من التحليل يخدم مصالح ذاتية بكل وضوح؛ فلو أن هتلر قد أصبح وحشا فقط بعد موتها، فمن الممكن إذن أن يغفر لهؤلاء الرجال تحالفهم معه خلال فترته الأولى، التى يفترض أنها كانت أكثر عقلانية.

ولكن لم يكن النازيون السابقون فقط هم من كانوا يعتقدون أن وفاة راوبال قد أحدثت تحولا فى حياة هتلر. فالعديد من كتاب السير الذاتية الفرويديين، الذين كان دافعهم بالتأكيد أنقى من دافع النازيين السابقين، كانوا يميلون إلى النظر إلى موت راوبال على أنه أداة حاسمة فى تطوره إلى سفاح. فقد ذهبوا إلى أنه حتى لو لم يكن قتلها، فإن ضياع المرأة التى كان مهووسا بها ساهم بطريقة أو بأخرى فى إطلاق الوحش الذى بداخله. وقد كان النفوذ الفرويدى كبيرا؛ فحتى بولوك، على الرغم من أنه كان يرى أن الأدلة على وجود علاقة بينهما ليست كافية، فقد كان يعتقد أن موت راوبال غير من هتلر وأنه كان هناك دافع دافع جنسى على الأرجح فى معاداة هتلر للسامية.

غير أن وفاة راوبال فى نظر معظم المؤرخين لا تكفى لتفسير طموحات هتلر للإبادة الجماعية. وكذلك لم يرضمعظم المؤرخين - لا سيما مؤرخى الهولوكوست - بالتفسيرات العديدة الأخرى القائمة على الجنس؛ والتى كان من ضمنها فقدانه إحدى الخصيتين، وعلاقة جنسية يزعم أن هتلر أقامها مع عاهرة يهودية مصابة بالزهرى.

والواقع أن إرجاع موت الملايين إلى سبب وحيد إنما يبرز مشكلات أخلاقية وكذلك عملية لا يزال المؤرخون والفلاسفة يعانون منها.

ثمة شىء واحد واضح؛ أن وفاة راوبال، مهما كان تأثيرها على هتلر عميقا، لم تحوله إلى قاتل؛ فقد كانت يداه ملطخة بالدماء بالفعل. فعلى الرغم من الذكريات المنتقاة بشكل ملائم من جانب كاتبى المذكرات من النازيين السابقين، كان السفاحون النازيون، قد قتلوا واعتدوا بالضرب على المئات، إن لم يكن الآلاف، من الناس قبل سبتمبر 1931 بعلم وموافقة هتلر بلا شك. ولم يكن انتحار جيلى راوبال هو الوفاة الأولى التى كان هتلر مسئولا عنها.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة