قبل انطلاق معرض "تيتانيك.. والقصة غير المروية".. 6 أعوام بعد الـ100 على تفاصيل الغرور والجبن.. وقائع التحقيق فى غرق السفينة تكشف: كان بالإمكان إنقاذ 2100 شخص.. والمأساة كشفت فساد قوانين الملاحة وغيرتها للأبد

الأربعاء، 06 يونيو 2018 05:30 م
قبل انطلاق معرض "تيتانيك.. والقصة غير المروية".. 6 أعوام بعد الـ100 على تفاصيل الغرور والجبن.. وقائع التحقيق فى غرق السفينة تكشف: كان بالإمكان إنقاذ 2100 شخص.. والمأساة كشفت فساد قوانين الملاحة وغيرتها للأبد سفينة تيتانيك
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بعد مرور 106 أعوام على غرق أشهر سفينة فى التاريخ، سفينة تيتانك، التى ما زالت محط أنظار الباحثين والدارسين حتى يومنا هذا، وقبل انطلاق معرض "تيتانيك.. القصة غير المروية" فى متحف ناشيونال جيوغرافيك فى واشنطن، نستعيد أدق تفاصيل وقائع التحقيق فى هلاك السفينة، والتى كشفت عن حجم الفساد بكل أشكاله، والأهم فساد النفس البشرية، فالغرور والجبن هما مفتاح اللغز للإجابة على السؤال الأهم: هل كان من الممكن إنقاذ ركاب تيتانيك؟.

تيتانيك
 

فى ليلة 18 أبريل عام 1912، دخلت السفينة الصغيرة كارباثيا العابرة للمحيطات، بقيادة القبطان آرثر روسترون، ميناء نيويورك. وكان فى استقبالها قارب سحب السفن الخاص بعمدة المدينة وأسطول من القوارب الأخرى، وكانت جميعا تطلق أجراسها وصافراتها وأجهزة الإنذار.

كان أكثر من أربعين ألف شخص ينتظرون على الرصيف، بحسب ما ذكره بول أرون فى كتاب "ألغاز تاريخية محيرة"، من ضمنهم لفيف من المراسلين الصحفيين الذين سرعان ما أحاطوا بالركاب وهم يهبطون من على سلم السفينة.

كان هؤلاء الركاب هم الناجين من السفينة تيتانيك؛ السفينة غير القابلة للغرق التى غرقت قبل بضعة أيام بشكل لا يصدق.

سمعت السفينة كارباثيا استغاثة تيتانيك أول مرة بعد منتصف ليلة 14 أبريل. وفى الحال، قام روسترون بتغيير المسار لإنقاذ السفينة العملاقة. وعلى الرغم من أنه اضطر لشق طريقه عبر نفس الكتلة الثلجية التى حطمت السفينة تيتانيك، فقد رفع سرعة كارباثيا إلى سبع عشرة عقدة، وهى سرعة تفوق أية سرعة أبحرت بها سفينته من قبل.

 

الناجون من غرق سفينة تيتانك

بعد أربع ساعات، بلغت كارباثيا موقع آخر إشارة أرسلتها تيتانيك عن موقعها؛ وصلت متأخرة قرابة ساعة ونصف الساعة؛ فقد كانت تيتانيك قد غرقت ولا يزال على متنها 1502 شخص، ما بين ركاب وأفراد الطاقم. وأمضى روسترون الساعات الأربع التالية فى البحث عن ناجين. وبحلول الساعة الثامنة صباحا، كان قد التقط الـ 705 ركاب الذين قفزوا فى قوارب النجاة التابعة لتيتانيك.

وعند تلك المرحلة، وصلت سفينة القبطان ستانلى لورد، كاليفورنيان، إلى موقع الأحداث. وفى غمرة لهفة روسترون المبررة لنقل الناجين إلى نيويورك، ترك للورد مهمة إجراء بحث أخير عن ناجين وانطلق. ولم يجد لورد ناجين آخرين، وعاد إلى مساره الأصلى. وبعد تسع ساعات من رسو كارباثيا فى نيويورك، دخلت كاليفورنيان بوسطن فى هدوء.

لم يكن لورد ليتحاشى الأضواء لفترة طويلة؛ فلم يكد يمر بضعة أيام حتى تحول انتباه العالم من كارباثيا إلى كاليفورنيان. فأفاد عدد من صحف بوسطن، بعد الحديث إلى أفراد طاقم كاليفورنيان، بأن السفينة كانت أقرب كثيرا إلى تيتانيك الغارقة من كارباثيا؛ والواقع أنه فى قرابة الساعة الحادية عشرة فى ليلة 14 أبريل، كان لورد وطاقمه قد رأوا السفينة بالفعل على بعد بضعة أميال فقط إلى الجنوب الشرقى. وبعد فترة قصيرة، رصد بعض ممن كانوا على متن تيتانيك سفينة فى اتجاه الشمال الغربى.

بعدها، وبعد منتصف الليل بقليل (وأيضا بعد اصطدام تيتانيك بالجبل الجليدى المميت بقليل)، رأى ضباط السفينة كاليفورنيان ما بدا وكأنه صاروخ انطلق فوق السفينة الأخرى. وعلى مدار الساعتين التاليتين، وبينما كانت تيتانيك تطلق إشارات استغاثتها، شاهد ضباط كاليفورنيان وأفراد طاقمها سبعة صواريخ أخرى تنطلق فى السماء.

 

سفينة كاليفورنيان رأت تيتانك تغرق ولم تتحرك

غير أن لورد لم يحرك ساكنا. كانت كاليفورنيان ستسجل فى التاريخ - بحسب ما قال المؤرخ ليسلى ريد – بوصفها "السفينة التى وقفت بلا حراك" ولم يقم لورد بضبط المسار فى اتجاه الموقع النهائى لتيتانيك إلا بعد الساعة الخامسة صباحا.

ومنذ ذلك الحين راح المؤرخون يتساءلون: هل كان بإمكان كاليفورنيان إنقاذ من كانوا على متن تيتانيك؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لم يفعل لورد شيئا؟

 

وقائع التحقيق فى غرق سفينة تيتانك

من ضمن من كانوا فى استقبال السفينة كارباثيا فى نيويورك السيناتور ويليام ألدن سميث - من ميشيجان - الذى لم يضع وقتا فى تشكيل لجنة فرعية للتحقيق فى الكارثة. ففى يوم 19 أبريل؛ أى بعد يوم من رسو كارباثيا، كان سميث بالفعل يجرى مقابلات مع الناجين فى والدورف أستوريا. وما إن كشفت التقارير فى بوسطن أن السفينة كاليفورنيان قد رأت إشارات استغاثة السفينة الغارقة، قام سميث باستدعاء لورد وطاقمه إلى المحكمة.

كانت السفينة كاليفورنيان، بحسب شهادة قبطانها وأفراد طاقمها، فى طريقها من لندن إلى بوسطن حين وجدت نفسها، فى ليلة 14 أبريل، فى نفس الجزء المحمل بالجليد من شمال الأطلسى مثل تيتانيك.

 

زيارة السرعة وراء هلاك تيتانك

وعلى عكس قبطان تيتانيك، إدوارد سميث، الذى قاد سفينته إلى الهلاك بزيادة سرعته رغم وجود الجليد، كان قبطان كاليفورنيان رجلا فى غاية الحرص والحذر، فأمر بإيقاف السفينة ليلا.

فى قرابة الساعة الحادية عشرة مساء، قام عامل اللاسلكى بالسفينة كاليفورنيان، سيريل إيفنز، بإرسال رسالة غير رسمية إلى تيتانيك، التى كان يعلم أنها فى مكان ما فى "نحن محاطون بالجليد وتوقفنا".

انزعج عامل اللاسلكى على متن تيتانيك، جاك فيليبس، من المقاطعة. فقد كان مشغولا طوال اليوم بإرسال رسائل لركاب السفينة الأثرياء، ولم يكن لديه وقت للثرثرة. فرد قائلا: "اصمت! اصمت! أنت تشوش على".

غرف ومتعلقات ركاب سفينة تيتانك

فما كان من إيفنز، الذى كان مستيقظا طوال اليوم وربما يكون قد أحبط قليلا من الرد الجاف الذى تلقاه، سوى أن أغلق جهازه وذهب للنوم. ولما لم يكن على متن كاليفورنيان سوى عامل لاسلكى واحد فقط، كانت السفينة فى هذا الوقت خارج نطاق الاتصال. وحين بدأت تيتانيك فى إرسال نداء استغاثتها، فى قرابة الثانية عشرة والربع صباحا، لم يكن هناك أحد مستيقظ يستطيع سماعها على متن كاليفورنيان.

ولكن ماذا عن الصواريخ؟ لماذا لم تستجب كاليفورنيان لإشارات استغاثة تيتانيك؟ شهد لورد بأنه لم ير سوى صاروخ واحد ينطلق، ثم ذهب هو نفسه للنوم. وحين أبلغه ضباطه فيما بعد بأنهم قد شاهدوا صواريخ أخرى، كان شبه نائم؛ ومن ثم لم يدرك أنها قد تكون إشارات استغاثة. ولما لم يشدد الضباط على الأمر، عاد للنوم.

أخبر لورد السيناتورات أنه، إلى جانب ذلك، كان لا يزال غير واثق من أنها إشارات استغاثة. فقد كانت السفن تستخدم أنواعا شتى من الإشارات المضيئة بشكل روتينى لتحية السفن المارة. وعادة كانت إشارات الاستغاثة أكبر وأكثر ضوضاء، ولم يسمع أحد على متن كاليفورنيان أى شيء أثناء الليل. ولم يكن لورد لديه أية فكرة لم كانت إحدى السفن ترسل صواريخ فى تلك الليلة، ولكنه لم يكن لديه مبرر، على الأقل حينها، للاعتقاد بأن السفينة فى مأزق.

نوتات موسيقية كانت تعزف فى سفينة تيتانك
 

وأردف لورد أنه فى الواقع كان واثقا من أن السفينة التى رآها هو وضباطه لم تكن تيتانيك. لقد كانوا على علم بوجودها فى المنطقة بالطبع، لما كان إيفنز على اتصال بها عبر الراديو. ولكن السفينة التى رصدها لورد كانت صغيرة للغاية، ورأى ضباطه الدخان ينطلق منها - بطريقة ملائمة للغاية - فى قرابة الثانية صباحا؛ ولذلك لم يخطر على بال أحد فى كاليفورنيان أن يوقظ إيفنز ليتحقق من وجود نداء استغاثة.

ولم يقدم ضباط لورد على إيقاظ إيفنز إلا فى قرابة الساعة الرابعة صباحا، ربما لاستشعارهم شيئا من القلق وعدم الارتياح بشأن الصواريخ، ليعرف من السفن الأخرى بعد ذلك أن تيتانيك قد اصطدمت بجبل جليدى. وبمجرد إخطار لورد، أمر على الفور بأن تتحرك كاليفورنيان.

لم يرض تفسير لورد السيناتور سميث، الذى طلب من البحرية الأمريكية التحقق من وجود سفينة أخرى هناك بالقرب من كاليفورنيان وتيتانيك فى تلك الليلة، وقالت البحرية إنها لم يكن لديها علم بوجود أى سفن أخرى. وقام سميث بمراجعة سجل الرحلة الخاص بكاليفورنيان فى تلك الليلة، ولم يجد إشارة لمشاهدة أى صواريخ، على الرغم من شهادة لورد وضباطه. ومما أثار مزيدا من الشكوك أن مدخل يوم 15 أبريل فى المسودة المبدئية لسجل الرحلة - التى تنقح بعد ذلك فى سجل رسمى - قد فقد.

وبدا لسميث أن لورد قد حاول التستر على تقاعس كاليفورنيان غير المبرر عن اتخاذ أى إجراء، فى ظل توقعه بأن تحقيقا سوف يجرى بشأن ما اتخذته السفينة من إجراءات.

فريق بحثى لاكتشاف موقع سفينة تيتانك بعد غرقها
 

وخلص سميث إلى أن السفينة الغامضة التى وصفها لورد وضباطه لم يكن لها وجود على الإطلاق، مصرحا أن "الجليد لم يعق حركة سوى سفينتين؛ تيتانيك وكاليفورنيان".

وأدان تقرير اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ لورد بشكل قاس؛ إذ جاء فيه اللجنة: إن اللجنة قد توصلت مجبرة إلى الاستنتاج الحتمى بأن كاليفورنيان.. كانت أقرب إلى تيتانيك من التسعة عشر ميلا التى أقر بها قبطانها، وأن ضباطها وطاقمها قد رأوا إشارات الاستغاثة التى أطلقتها تيتانيك، وتقاعسوا عن الاستجابة لها وفقا لما تمليه الإنسانية، والعرف الدولى، والقواعد القانونية".

 

المجلس البريطانى للتجارة

وأتبع ذلك جلسة استماع أمام المجلس البريطانى للتجارة فى وقت لاحق من الشهر، وأدانه المجلس بنفس القدر. فقد خلص لورد تشارلز ميرسى إلى أنه حين رأت كاليفورنيان الصواريخ لأول مرة، كان من الممكن أن تسرع عبر الجليد إلى المياه المكشوفة دون أى مجازفة خطيرة؛ ومن ثم تهرع لنجدة تيتانيك. ولو أنهم فعلوا ذلك، لربما أنقذوا العديد من الأرواح التى فقدت، إن لم يكن جميعها".

 

الشركة المالكة لـ تيتانيك

لم يتلق لورد كل ذلك وهو مكتوف الأيدى، كما وجد الكثير من المناصرين. فقد كان الكثير من البحارة، على وجه الخصوص، مقتنعين بأن المؤسسة الملاحية قد قررت أن تجعل من لورد كبش فداء، على أمل صرف الأنظار عن الإهمال الجسيم من جانب وايت ستار لاين، الشركة المالكة لتيتانيك، والمجلس البريطانى للتجارة الذى كان مسئولا عن سلامة السفن فى البحار. وما من شك فى أن كلتا المؤسستين كان لديهما الكثير لتجيبا عنه.

 

بادئ ذى بدء، كانت هناك حقيقة أن القبطان سميث قد أمر بأن تظل تيتانيك على سرعتها التى تقدر باثنتين وعشرين عقدة، وهى أكبر سرعة سارت بها على الإطلاق، على الرغم من تلقى ثمانى رسائل من سفن أخرى (من بينها كاليفورنيان) عن الجليد الموجود بالقرب منها. وربما بدا من غير اللائق نوعا ما أن يتعرض سميث، الذى لم يغادر سفينته وغرق بها بشجاعة برغم كل شيء، للنقد، ولكن بدا لكثيرين أن القبطان لورد يتحمل الكثير من اللوم على خطأ القبطان سميث.

 

الغرور وهلاك تيتانك

كان الأسوأ هو ذلك الشك الذى ظل عالقا ومفاده أن سرعة سميث المتهورة كانت نتاج ضغط، إن لم تكن بسبب أمر مباشر، من بروس إزماى، المدير الإدارى لشركة وايت ستار لاين وأحد الركاب الذين كانوا على متن تيتانيك. ولم يكن المدافعون عن لورد هم فقط من تساءلوا إن كان إزماى، على إثر لهفته لإثبات أن تيتانيك لم تكن فقط أكبر وأفخم سفينة، بل الأسرع أيضا، قد ألح على سميث لزيادة سرعته، بل كانت هناك أيضا تقارير تفيد بأن إزماى قد سكت عن أحد التحذيرات بشأن الجليد، حتى لا يبطئ سميث من سرعته.

هلاك سفينة تيتانك
 

كانت نجاة إزماى من حادث تحطم السفينة فى حد ذاتها مدعاة للحرج؛ إذ كان ذلك فى عصر لا يزال يأخذ فكرة "الأطفال والنساء أولا" بجدية شديدة. ولما كان أكثر من 150 سيدة وطفلا قد لقوا حتفهم على متن تيتانيك (إلى جانب أكثر من 1300 رجل)، فقد شعر كثيرون أن إزماى، شأنه شأن سميث، كان لا بد أن يغرق مع السفينة، أو على الأقل لم يكن ينبغى أن يقفز على أى من قوارب النجاة حتى يتأكد من عدم وجود أى سيدات أو أطفال آخرين على متن تيتانيك.

ولكن إزماى على الأقل كانت لديه فرصة لإنكار الاتهامات التى وجهت إليه بالتأثير بأى شكل على قرارات سميث، ولم يجده مجلس الشيوخ ولا جلسة الاستماع المنعقدة بالمجلس البريطانى للتجارة مدانا بأى شىء سوى كونه واحدا من الناجين المحظوظين.

 

عدد ركاب تيتانك فى رحلتها الأولى والأخيرة

وإذا كانت الشركة قد أفلتت بسهولة، من وجهة نظر مناصرى لورد، فقد كان مجلس التجارة أوفر حظا. كان مجلس التجارة قد حدد عدد قوارب النجاة اللازمة لأية سفينة بمعادلة قائمة على وزن السفينة؛ ومالكو تيتانيك تجاوزوا شروط المجلس بوضع 14 قارب نجاة عاديا و4 قوارب قابلة للطى على متن السفينة.

وكان بإمكان هذه القوارب الثمانية عشر أن تسع 1178 شخصا إجمالا. غير أن تيتانيك نفسها كان بإمكانها حمل أكثر من 3500 شخص، وكان هناك أكثر من 2100 شخص على متنها فى باكورة رحلاتها.

وأيا ما كان الشىء أو الشخص الذى يتحمل المسئولية آنذاك، فقد كان واضحا أن لوائح المجلس التى عفى عليها الزمن بشكل صارخ، كانت مسئولة أيضا. علاوة على ذلك، كان تفويض الوكالة بالتحقيق يهدف إلى زيادة مصالح الملاحة البريطانية، وكانت وايت ستار لاين ضمن أقوى أعضائها؛ لذا لم يكن من المستغرب أن يستشيط أنصار لورد غضبا من أن هذه الوكالة هى المفوضة بالحكم على قبطان كاليفورنيان.

ولكن إنصافا لكل من مجلس التجارة ولجنة السيناتور سميث الفرعية، لم تكن جلستا الاستماع البريطانية أو الأمريكية هى التمويه الذى ادعاه أنصار لورد. فكلتا الجلستين قامت بفحص أخطاء سميث، ووايت ستار لاين، واللوائح.

حطام سفينة تيتانك
 

وعلى الرغم من أن هذه الأخطاء لم يسلط عليها الضوء بالجرأة البالغة التى سلط بها الضوء على أخطاء القبطان لورد، فلم يتم التستر على أى منها، بل إن كلتا الحكومتين الأمريكية والبريطانية قد سارعت إلى تمرير تشريع جديد يلزم السفن بحمل ما يكفى من قوارب النجاة لتسع كل الركاب وأفراد الطاقم.

كذلك كان لمأساة تيتانيك، بالأخص صورة سيريل إيفنز وهو نائم فى سرير المبيت الخاص به فى حين كانت تيتانيك تغرق على مقربة منه، دورها فى إقناع كلتا الحكومتين أيضا بالمطالبة بتوفير مراقبة للراديو على مدى الأربع والعشرين ساعة. كانت هذه التغييرات جيدة بلا شك للسلامة الملاحية، ولكنها لم تفعل شيئا لستانلى لورد.

وبعد فصله من قبل مالكى كاليفورنيان، ظل يدعى أن السفينة التى شوهدت من كاليفورنيان لم تكن تيتانيك، وأن السفينة التى شوهدت من تيتانيك لم تكن كاليفورنيان.

توفى لورد فى عام 1962، وهو نفس العام الذى تمكن فيه أوفى المدافعين عنه، ليسلى هاريسون، من تحديد ما كان يعتقد أنها السفينة الغامضة التى شوهدت من كل من تيتانيك وكاليفورنيان فى تلك الليلة.

كان هاريسون السكرتير العام لجمعية خدمات البحرية التجارية، التى كانت تمثل قباطنة السفن وتناصر قضية لورد. وكانت السفينة الغامضة، بحسب هاريسون، هى زورق صيد أيسلندى يدعى سامسون. وكدليل على صحة كلامه، قدم هاريسون ما زعم أنه جريدة قديمة اعترف فيها أحد أفراد طاقم سامسون بأن سامسون كانت بين تيتانيك وكاليفورنيان. وقد خشيت سامسون، التى كانت تصطاد الفقمات بما يخالف القانون، أن تضبطها تيتانيك أو كاليفورنيان بما عليها من بضائع؛ لذا أسرعت بعيدا عن كلتيهما بأسرع ما يمكن.

غير أن حجة هاريسون ضعفت حين رصد محققون آخرون وجود سامسون فى أيسلندا فى يومى 6 أبريل و20 أبريل. وكان من المستحيل لقارب صغير بهذا الشكل أن يقوم برحلة لمسافة ثلاثة آلاف ميل عبر الأطلسى ويعود فى أربعة عشر يوما فقط.

ظن أنصار لورد أنهم قد استراحوا أخيرا فى عام 1985، حين تحدد مكان حطام تيتانيك بفضل جهود أمريكية وفرنسية مشتركة بقيادة عالم المحيطات روبرت بالارد؛ إذ تبين أن السفينة كانت أبعد تجاه الشرق مما أوضحت إحداثيات آخر نداء استغاثة أصدرته؛ ما وضع تيتانيك على بعد قرابة واحد وعشرين ميلا من موقع كاليفورنيان المحدد بسجل الرحلة فى تلك الليلة؛ وهو ما يعد أبعد من أن يراه لورد أو ضباطه.

ولكن إذا كانت تيتانيك قد انجرفت شرق المكان الذى ظن ضباطها أنها متواجدة به، حسبما أشار بالارد، فعلى الأرجح أن يكون قد حدث الشيء نفسه لكاليفورنيان؛ ما يجعل كلتيهما مرة أخرى على مرأى إحداهما من الأخرى.

وقد حث اكتشاف تيتانيك، إلى جانب ضغط هاريسون بإصرار، وزارة النقل البريطانية فى النهاية على إعادة فتح القضية. وحمل تقرير الوزارة، الصادر فى عام 1992، تبرئة جزئية للورد. فقد خلص إلى أن كاليفورنيان كانت على الأرجح على بعد سبعة عشر إلى عشرين ميلا من تيتانيك، فيما يعتبر مسافة بعيدة للغاية يتعذر معها رؤية السفينة الغارقة وقد يتعذر معها أيضا الوصول إليها فى الوقت المناسب، حتى لو كان لورد قد بدأ الانطلاق فى الحال بعد رصد أول صاروخ.

لقد استغرق الأمر من لورد أكثر من ساعتين للوصول إلى كارباثيا فى صباح يوم 15 أبريل، وهناك سبب منطقى للاعتقاد بأن الأمر كان سيستغرق مدة أطول للتحرك عبر الجليد فى الظلام. وبعد ساعتين من انطلاق أول صاروخ، كانت تيتانيك قد غرقت بالفعل؛ ومن ثم لم يكن بإمكان لورد إنقاذ أى شخص على متن السفينة، حسبما ذكر التقرير.

غرق سفينة تيتانك

غير أن التقرير أوضح أيضا أن تقاعس لورد لم يكن له مبرر. فحتى لو لم يكن بإمكانه إنقاذ تيتانيك، فلا شك أنه كان عليه المحاولة. وحتى لو لم يكن قد رأى تيتانيك، فقد رأى أحد الصواريخ، ورأى ضباطه سبعة أخرى. ولا يمكن لبحار محنك أن يخطئ فى إدراك هذه الصواريخ بأنها أى شىء آخر سوى إشارات استغاثة، غير أن لورد وضباطه لم يكلفوا أنفسهم عناء إيقاظ عامل اللاسلكى لمعرفة ما الخطب.

وقد اتفق أحدث مؤرخى تيتانيك مع تقرير 1992. فأغلب الظن أن الصواريخ التى شوهدت من على متن كاليفورنيان كانت آتية من تيتانيك؛ فلا دليل على وجود أية سفينة أخرى غيرها فى الجوار. وحتى لو لم تكن آتية من تيتانيك، فقد جاءت من سفينة فى حاجة لمساعدة؛ ولم يكن من لورد سوى أن خلد لفراشه. كانت هناك أسباب متعددة لبقاء لورد فى الفراش.

سفينة تيتانك
 

ربما كان جبانا. أو ربما كان فى غاية الحزم والصرامة لدرجة أن ضباطه كانوا يخشون إزعاجه حينما رأوا مزيدا من الصواريخ. أو ربما لم ير أن عليه أن يعرض سفينته للخطر لمجرد أن شخصا آخر كان أكثر تهورا منه فيما يتعلق بالإسراع عبر الجليد. وأيا ما كان مبرر لورد فإنه لم يكن مقنعا بما يكفى.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة