جَلَسَت .. قبعت نَفْسِهَا فَوْق ذَاتٍ محطمة وأَقْدَامٍ مُهشَمُة ، تَحْت شَجرتها الْمُفَضّلَة ، تُحْدُث رُوحِهَا الَّتِى حاوطها الْإِحْبَاط ، إحْبَاطٌ مِنْ كُلِّ شَى حَوْلَهَا ؛ مِن روتينها الْيَوْمِى ، دِرَاسَتِهَا التَّقْلِيدِيَّة ، الْمُجْتَمع الَّذِى كُفِّن بِالْحُزْن وَخِيمٌ عَلِى مُواطِنِيَّة الْإِحْبَاط الَّذِى وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِن غَلَاءِ الْأَسْعَار .
كُلِّ شَى أَصْبَح بِثَمَن .. طَبَقَة تَنْحَدِر عَلِى طَبَقَة حَتَّى أَصْبَحْت الطَّبَقَة الْفَقِيرَة مُهمشة لَا وُجُودَ لَهَا ، عَدَمِهَا الْغَلَاء وَدَفْنُهَا المسؤولون عَنْه .
هَذِهِ هِى مَى صَاحِبِه الأحاسيس المُرهفة ، مِنْ أُصُول الطَّبَقَة الْفَقِيرَة " المُهمشة " بَلَغَت الْعِشْرِينَ مِن عُمْرِهَا ، لَدَيْهَا طموحاتها و أمنياتها مِثْلَهَا مِثْل الْفَتَيَات فِى مِثْل عُمْرِهَا .
لَكِنَّهَا غَيْرِ قَادِرَة عَلِى تَحْقِيقِهَا بِسَبَب ظُرُوف حَيَاتِهَا والَّتِى لَا يَخْتَار أَحَدُنَا أَنْ يُولَدْ فِى رَخَاءٍ أَو شَقَاءٍ .
وَبَيْنَمَا هِى شَارِدَة فِى فِكَرِهَا مُحْدَثَة رُوحِهَا ، تنهمرُ مِنْهَا دُمُوعُهَا كَالسَّيْل ؛ أَقْبَلَت عَلَيْهَا أُمِّهَا .. تَمْشِى بِخَطِّى ثَابِتَةٌ ، قَطَعَتْ عَلَيْهَا فِكَرِهَا وَرَّدَتْهَا مِن شرودِها ، ثُمّ احتضنتها وَقَبِلْتُهَا .
الْأُمّ : مَاذَا بِكِ يَا حُلوتى ؟ !
مَى : لِمَاذَا يَحَدُّث لَنَا هَذَا ؟ كَيْف لَكِ أَنْ تَكُونِى رَاضِيَة هَكَذَا ؟
الأم: ما الذى يحدث لنا؟
مي: لما تتغطى علينا الدنيا هكذا ؟ لماذا يحاوطنا اليأس والفقر ؟ كيف لك أن تكونى راضية الى هذه الدرجة ؟
الْأُمّ : يَا عزيزتى .. أَنَا رَاضِيَة لِأَنَّ اللَّهُ هُوَ مِنْ زَرَعَ فِى قَلْبِى هَذَا الرِّضَا فَهُو - عَزَّ وَجَلّ - لَا يَرْضَى لِعِبَادِه الْحُزْن و الشقاء
مَى : وَلَكِنْ أَيْن الرَّخَا . . .
= قاطعتها الْأُمّ بِسُرْعَة قَائِلُه : مَا مُنِعْ إلَّا لِيُعْطِى وَكُلّ شَى عِنْدَه بِحِكْمَه وَ بِمِقْدَار .
مَى : كَيْف وصلتى لِهَذِه الْمَرْحَلَة مِن الرِّضَى يَا أُمِّى ؟
الْأُمّ : بِالْحَمْدِ الْمُسْتَمِرّ الدَّائِمِ الَّذِى لَا يَنْقَطِعُ والّذِى يَرْوِى الرُّوح بِالرِّضَى وَالشُّكْر والثَّنَاء ، فَنَعَم اللَّهِ كَثِيرَةٌ فلَا تحصرى الرِّزْقَ فِى الْمَال .
ابتسمت مَى وارتمت فِى أَحْضان أُمِّهَا ، نَهَضُوا سَوِيًّا.. تَحَرَّكُوا صَوْب كوخهم الصَّغِير، صَعِدَت الفَتَاة لغرفتها البسيطة ، أَمْسَكَت بسجادتها وَبَدَأَت تُصَلِّى وَتَدْعُو اللَّه .. تَدْعُوه مِن أَعْمَاق قَلْبُهَا ؛ أَنْ يُيَسِّر حَالِهَا وَيُوَسَّع رِزْقُهَا و يمنحها الرِّضَا مِثْل أُمِّهَا .
وَإذ فَجْأَة رَأَت نَفْسِهَا فِى بَيْتٍ جَمِيل ، وَسَط إخْوَتَهَا وَأَهْلُهَا فِى فَرَحُه عارِمَة يَشْهَدْهَا الْبَيْتِ و سَاكِنِيه .
أَصْبَحْت قَادِرَةً عَلَى تَحْقِيق احلامها وطموحاتها حَلَم تِلْوَ الآخَرِ فِى فَرَحُه تتغلغل دَاخِلِهَا ، ظَلَّت تَشْكُر اللَّه وتحمده لَيْلَ نَهَار .
= مَى مَى .. استيقظى لِمَاذَا أَنْتِ نَائِمَةٌ عَلَى الْأَرْضِ هَكَذَا ؟ !
مَى : لَقَد داهمنى النّوْمِ وَأَنَا أُصَلِّى يَا زِيَاد .
زِيَاد : لَا عَلَيْك يَا أُخْتِى ، انهضى ونامى فِى فِرَاشِك .
نَهَضْت .. اُتُّجِهَت نَحْو نَافِذَةٌ غُرْفَتِهَا ، نَظَرْت إلَى السَّمَاء بِنَفْسٍ رَاضِيَةً ، عاودت الْحَدِيث إلَى رُوحِهَا وَلَكِن . . هَذِهِ الْمَرَّة تُحدثُها فِى شَى مِنْ الْأَمَل وَالرِّضَا و التَّفَاؤُل قَائِلُه لَهَا : " نَعَمْ أَنَّهُ كَانَ مُجَرَّد حُلَم وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٌ سَيَكُون عَلَى مَا يُرَام " .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة