علاء عبد الهادى

من دفتر دراما رمضان

الثلاثاء، 26 يونيو 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دور الدراما خطير للغاية، ولو ضل صانعو مسلسل واحد طريقهم يمكن أن يدمروا أجيالا، والعكس هو الصحيح، ومسلسل ناجح له أهداف نبيلة، ونجح القائمون عليه فى الإعداد والترتيب له وتنفيذه على أسس درامية احترافية، يمكن أن ينجح فيما قد يفشل فيه شيوخ وقساوسة، أو حتى قادة فكر ورأى.
لا خلاف على الدور السحرى للدراما فى تشكيل وعى ووجدان أجيال، أو تدميرها، كما أنها مسؤولة عن خلق صورة ذهنية إيجابية أو سلبية عن دولة ما أو مجموعة ما.
الدراما إذن يمكن أن تبنى جيلا، وتعظم لديه قيم ومفاهيم العمل والانتماء وحب البناء، وهى نفسها يمكن أن تدمره وتعزز لديه قيم التسلق، والانتهازية، والصعود على أشلاء من حولك والفهلوة، والاستخفاف من الشخصيات النبيلة، والاستهزاء بها، رأينا ذلك عبر أجيال من «مدرسة المشاغبين» التى ضربت أول مسمار فى نعش التعليم فى مصر إلى «هى فوضى» التى أرخت لدولة العشوائيات، وانتشار ثقافتها ولغتها وأخلاقياتها وحتى أغانيها، كل هذا من انعدام القيم والإخلاق والمبادئ تم ويتم تحت ادعاء تعرية الواقع، وكشفه، بدلا من المداراة عليه، ما أقوله قد تعرفه أكثر منى، ولكننى أدعوك فقط للمقارنة بين دورين لممثل واحد، هو النجم محمد رمضان فى موسمين متعاقبين لرمضان، فى الموسم الأول لعب دور بلطجيا، وفى الموسم الثانى لعب دور ضابط شرطة.
المقارنة عندى تخرج عن مجرد مهارة ممثلة يستعرض إمكانياته فى التمثيل بين تقمص شخصيتين متعارضتين دراميا، إلى ما هو أخطر، ويتعلق بالمحتوى الذى يتعلق بأجيال تعتبره نموذجا يحتذى به فى اللبس وفى طريقة الكلام، وحتى فى ترديد بعض «إفيهاته».
فى النموذج الأول، وكان مسلسل «الأسطورة» كنا أمام ناصر نموذج البلطجى القاتل «اللى بياخد حقه بيده» ومحبوب وبالذات من الجنس الناعم، وتتزاحم عليه الفتيات وتقعن فى دباديبه، وهو نفسه الشاب الذى كان حقوقيا ويريد أن يعيش مسالما، ولكن الحياة أجبرته لأن يكون هكذا بلطجيا لكى يحيا فى مصر وسط الغابة، فيلجأ إلى قهر أعدائه بنفس أسلحتهم، ويتفوق عليهم فى الأذى إلى الحد الذى يلبس أحدهم ملابس الحريم، ولم ينته المسلسل رمضان قبل الماضى حتى رأينا آلاف المستنسخين من شخصية «ناصر البلطجى» فى شوارع وحوارى مصر يقلدونه فى مشيته، وفى حلاقة ذقنه، وفى حتى أسلوب عراكه الذى ينتهى بأن قام أحدهم بتلبيس من يتعارك معه لبس الحريم، تماما مثلما فعل ناصر فى «الأسطورة».
قارن هذه الشخصية الكارثية التى جسدها محمد رمضان بشخصية الضابط زين التى جسدها هو نفسه فى رمضان هذا العام فى مسلسل «نسر الصعيد»، حيث وجدنا أنفسنا أمام شخصية نموذجية لضابط الشرطة الذى يعشق الحق مثل والده القاضى العرفى الذى يفقد حياته دفاعا عن الحق، ويطبق العدل حتى على أخيه، نحن أمام نموذج لضابط الشرطة الذى نتمنى ونرغب فى وجوده، ورغم أن المسلسل كان فيه مبالغة، فهى مقبولة فى مجال الدراما لتوصيل الرسالة، قارن بنفسك بين مردود الدورين على أجيال لتعرف خطورة رسالة الدراما.
أدعوك أيضا إلى أن تُعمِل التفكير قليلا فى الدور العبقرى للمبدع يحيى الفخرانى فى مسلسله «بالحجم العائلى»، ما استقوفنى فيه ليس موضوع المسلسل، فالقصة جميلة وبسيطة وليست جديدة، ومتعتها الحقيقية تنبعث من يحيى الفخرانى نفسه ومن عبقريته فى الأداء التى حباها الله له، ولكن ما أريد أيضا أن أتحدث عنه هو قضيتان تعامل معهما المسلسل بشىء من الاستخفاف، حيث لا يجب الاستخفاف، ووجدنا أن أبناء السفير نادر يتعاطون الخمور باعتبارها من مفردات الحياة، فهى شىء عادى يعنى لدى المصريين يلجأون إلى الخمر استمتاعا أو نسيا لهمومهم على غير الحقيقة، ولم يكن هناك استهجان لشرب ابنة السفير، أو ابنه، اللهم إلا فى إطار ضوابط الغرب التى تدعو إلى الشرب باعتدال، وألا تقود السيارة وأنت مخمور... إلخ من الضوابط التى قد تجدها فى أى مجتمع غربى، الأمر الثانى هو الاستخفاف الذى تعامل به المسلسل مع ابنة السفير التى أنجبت ابنا سفاحا من علاقة غير شرعية مع أستاذها الألمانى، واعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون تهورا من فتاة افتقدت أبوها فدخلت فى علاقة مع أستاذها، لتنتهى بكارثة تسليم نفسها له، الخطورة أن الموضوع وحله لم يكن صعبا على البطل الأب يحيى الفخرانى، هذا دعوة صريحة تتلقفها أية فتاة مراهقة لتكرار الفعل، ما دام الأمر سينتهى بهذه الصورة الوردية الجميلة.
ولأن الدراما كما قلت أداة لو تعلمون خطيرة، فإن مسلسل «بالحجم العائلى» نجح باقتدار فى تسليط الضوء على بقعة سحرية من مصر لا يعرفها أغلبنا، وهى مرسى علم التى لو شاهدناها فى مسلسل تركى أو فيلم أجنبى لندبنا حظنا، وتمنينا أن يكون لدينا مثلها.. الأرقام تقول إن مرسى علم كاملة الحجز بعد هذا المسلسل.. الناس ذهبت إلى هناك بحثا عن الجنة التى كشفها لنا عالم يحيى الفخرانى.
هذان مجرد نموذجان لخروقات رأيتها فى رسالة دراما رمضان، فى الوقت نفسه أعلنت لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أنها رصدت تجاوزات الأعمال الفنية، طوال دراما رمضان 2018، تقرير المجلس رصد 345 مخالفة للمعايير التى أصدرها المجلس بنسبة حوالى %3 من إجمالى المشاهد، واحتلت الألفاظ المتدنية صدارة المخالفات، التى بلغ عددها 208 مخالفات بنسبة %60.3 من إجمالى عدد المخالفات، فيما جاءت الإيحاءات الجنسية فى المرتبة الثانية، وبلغ عددها 43 مخالفة بنسبة %12.4 من إجمالى المخالفات، وجاء معيار السباب بعدد 27 مخالفة بنسبة %7.8.
أخيرا أتمنى أن تعود الدراما إلى زمن «بابا عبده» و«ليالى الحلمية» و«محمد يارسول الله» و«رحلة المليون» و«أحلام الفتى الطاير»، حيث كانت الدراما تبنى الوجدان وتحفظ الأسرة وقيمها ومبادئها، ولا تدمرها كما نرى منذ سنوات.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة