فى كتاب "الزنزانة الوردية.. والقوى الأخرى غير المتوقعة التى تصوغ طريقة تفكيرنا وشعورنا وسلوكنا" تأليف آدم ألتر، حكاية لطيفة عن دور القوى "الهامشية" فى التأثير على حياتنا.
يقول المؤلف إنه فى سنة 1979 قدمت إحدى الدوريات الأكاديمية العالمية وتسمى أورثومولكيولار سيكياترى بحثا أشعل خيال حراس السجون، ومدربى كرة القدم، والآباء الساخطين، وفيها استعان إليكساندر شاوس بـ 153 من الشباب الأصحاء، وباحث، ومجموعتين كبيرتين من الورق المقوى الملون، وحجرة مختبر جيدة الإضاءة.
وبعد ذلك دلف الشباب الواحد تلو الآخر إلى المختبر ليشاركوا فى اختبار قوة غير عادى، ولقد بدأت التجربة حين حدق الشباب فى إحدى قطع الورق المقوى. وكان لون الورق المقوى الخاص بنصف الشباب أزرق داكنًا، وللنصف الآخر ورديًّا فاتحًا، وبعد مرور دقيقة كاملة، طلب الباحث من الشباب أن يرفعوا أذرعهم أمام أجسامهم، بينما يضغط هو إلى أسفل بالقدر الكافى الآخر ليجبر أذرعهم على الرجوع على جانبى أجسادهم، وحين استعاد الشباب قوتهم، دون الباحث بضع ملاحظات سريعة قبل أن يكرر التجربة، أولًا طلب من الشباب أن يحدقوا إلى قطعة الورق المقوى الأخرى ثم أعاد اختبار القوة مرة أخرى.
كانت النتائج متوافقة على نحو ملحوظ، فقد كان الجميع، باستثناء شابين فقط، يعانون وهنًا بدرجة أكبر كثيرًا بعد تحديقهم إلى الورق المقوى ذى اللون الوردى، وكادت مقاومتهم لقوة ضغط الباحث تكون معدومة، بينما حافظ الورق المقوى ذو اللون الأزرق على قوتهم كاملة، وقد بدا أن اللون الوردى يستنزف قوى الشباب ولو بشكل مؤقت.
ومن أجل إثبات أن ذلك التأثير لم يكن مصادفة، أجرى "شاوس" تجربة ثانية، ولكن هذه المرة استعان بمقياس قوة أكثر دقة، حيث طلب من 38 شابًّا الضغط على أداة قياس تُعرف باسم دينامومتر (مقياس قوة التقلص العضلى)، وكان جميع المشاركين الثمانى والثلاثين بلا استثناء، الواحد تلو الآخر، يضغطون بقوة أقل بعد التحديق إلى الورق المقوى ذى اللون الوردى.
بدأ "شاوس" فى وصف القوة المهدئة والإعجازية للون الوردى الفاتح فى المحاضرات العامة عبر الولايات المتحدة، وفى إحدى المحاضرات التى عرضت على التلفاز، قام أحد الفائزين بمسابقة مستر كاليفورنيا مفتولى العضلات بعدة تمارين يسيرة لعضلة الذراع العلوية لكنه جاهد فى القيام بتمرين واحد بعد التحديق إلى الورق المقوى ذى اللون الوردى، وبالنظر إلى قوة اللون، فقد أشار "شاوس" إلى أن مسئولى الإصلاحيات يجب أن يفكروا فى وضع المساجين المشاكسين فى زنزانة ذات لون وردى، وقد قام اثنان من الضباط المسئولين فى المركز الإصلاحى البحرى الأمريكى فى مدينة سياتل، واشنطن، بإعادة طلاء إحدى الزنزانات باللون الوردى، ولمدة سبعة أشهر، راقب الضابط المساعد "جين باكر" والقائد الأعلى "رون ميلر" دخول السجناء الوافدين حديثًا إلى الزنزانة الوردية غاضبين وهائجين وخروجهم منها أكثر هدوءًا بعد 15 دقيقة، وعادة ما يكون السجناء الجدد عدائيين، لكن لم يبلغ الضباط عن أية حادثة عنف خلال الفترة التجريبية التى استمرت لمدة سبعة أشهر.
وقد كرم المعجبون الضابطين المغامرين بتسمية اللون "بيكر - ميلر بينك"، وقد قامت إصلاحيات أخرى عبر البلاد بطلاء زنزانات باللون الوردى ذاته، وفى أحد مراكز الحبس الاحتياطى بسان هوزيه، كاليفورنيا، عانى بعض السجناء الشباب من ضعف شديد بسبب اللون الوردى لدرجة أنه كان يجب تقليل المدة التى يتعرضون بها لهذا اللون لتقتصر على بضع دقائق فى اليوم فقط، وحين بدأت سجون المقاطعات الأصغر حجمًا فى حبس السجناء الثملين المتسمين بالعنف أودعتهم زنزانات وردية اللون، وأطلق على اللون بشكل غير رسمى لون اسم الزنزانة الوردية.
وهذا الكتاب هو محاولة لكشف الغطاء عن الدور الخاص بلون الزنزانة الوردية وعشرات القوى الخفية الأخرى التى تشكل طريقة تفكيرنا وشعورنا وتصرفنا، وبعض الأمور، كلون الزنزانة الوردية، تظهر من العدم وتصبح أساطير الثقافة الشعبية، وأمور أخرى مثل شروق الشمس والنساء الجميلات، احتلت لفترة كبيرة مكانا بارزا فى الحكم الشعبية، رغم أن الحكم الشعبية كثيرا ما تفشل حيت تحاول تفسير تعقيدات السلوك البشرى، وكذلك قوى أخرى، مثل الأسماء التى نطلقها على الأطفال وعلى المشاريع التجارية الجديدة وهى واضحة للعيان رغم عدم ملاحظتنا لها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة