إيمان رفعت المحجوب

عفوا لستم تنويريين ولا تخدمون القضية

السبت، 23 يونيو 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قطعا فكر المسلمين المتطرفين التكفيريين وأفعالهم يشكل لنا - نحن المسلمين المعتدلين - حرجاً فى تعامل الناس معنا وفى تعاملنا مع الناس، فالناس تتعامل معنا بريبة وتحفظ ونحن نبذل جهداً مضاعفاً كى نثبت - فى الداخل والخارج - أن من المسلمين من هم أسوياء صالحون، ونكاد نكون نحفر فى الصخر كى نغير مفهوم الدين إن لم يكن عند المتطرفين فعند المتبعين والجهال الذين هم نصيبهم من فهم الدين القشور يستقون فكرهم من الأصوليين الذين يظنون باستحالة استبدال فكرة السماحة والمحبة فى الدين بالاستعلاء والعنصرية، ومن ثم التباغض والعنف.

 

ولكن للأسف ما يزيد الطين بلة ويزيد مهمتنا عسراً على عسر هو اللادينيون لأنهم - فى إطار هجومهم على الدين على سبيل التبغيض - يشتركون مع المتطرفين فى نشر الأفكار والأقاويل المتطرفة على أنها من صحيح الدين، ويركزون فى ذلك على المثالب التى ألصقت به دون العناية بإدراج المفاهيم الصحيحة مما يثَّبِت الأفكار المتطرفة ويؤكدها، بدلاً من تصحيحها هادمين بذلك كل محاولاتنا الإصلاحية فى الاتجاهين؛ تحسين صورتنا فى العالم ومعالجة الفكر المتطرف! وبذلك تترسخ هذه الأفكار أكثر وأكثر لدى ذوى الثقافات السطحية الهشة؛ وهم أغلبية للأسف حتى إن منهم حملة دكتوراه ممن ينحصر محصولهم المعرفى فى تخصصاتهم وليس لهم من باقى علوم الدنيا ولا الدين نصيبٌ إلا القشور بما لا يسمح لهم بقبول الأفكار التنويرية المعتدلة على أنها من صحيح الدين حسب مصادرهم التى يستقون منها معلوماتهم، والتى تتركز فى الثقافة السمعية لبعض مشاهير شيوخ المتطرفة أو قراءة الكتيبات التى ينشرها المتطرفون فى الأسواق التى تحوى فكر ابن تيمية وما شابه؛ وبذلك تجتمع الثلاث فرق التكفيريون والجهلة واللادينيون فى توافق تام مع إن ما يفعله ويقوله ويروج له الأُوَل هو من صحيح الدين فيضيع مجهودنا فى الداخل والخارج هباءً، ويصبح ويلنا فى تطوير الخطاب الدينى، وبالتالى تحسين مظهرنا ويلين فى مواجهة كل الفرق إذ يتفق علينا ثلاثتهم "على اختلافهم" على أساس أن هذا الفكر الكاره العدوانى الإرهابى هو صحيح الدين، مما يضعنا فى حرج شديد!.

 

لأحمد خالد توفيق فى روايته "يوتوبيا" عبارة ربما استحقت من اللادينيين الوقوف عندها لمراجعة أنفسهم فى حربهم على الدين بدلاً من أن يحاربوا التطرف والمتطرفين يقول توفيق على لسان إحدى شخصيات روايته "دعك من أن تحول قناعاتك الثقافية لدين جديد يستحق أن تموت من اجله وتعتبر الآخرين ممن لا يعتنقونه كفارا".

 

ما يجعلنى أقول ذلك هو الموقف الذى يأخذه اللادينيون من المصلحين الدينيين! عبارة توفيق تنطبق فى نظرى على كلا الطرفين، فالتكفيريون - من قديم العهد من زمن الخوارج - اخترعوا لهم دينا خاصاً يموتون من اجله ويعتبرون الخارجين عليه كفارا! وربما اللادينيون العصريون يعيشون نفس التجربة رغم المفارقة فلهم فكرهم الخاص والذى فعلاً قد يعرضهم للقتل من قبل المتطرفين وقد يعرضهم للسجن بسبب الفكر والقناعة بما لا يليق بالعصر عصر الفكر الحر عصر احترام حقوق الإنسان!.

 

ولو أنه راق لى تعبير توفيق الذى ربما أراد أن يشير به إلى تقديس البعض لقناعاته الثقافية حتى أصبحت له كالدين يكاد يحسب من يخرج عليها وكأنه كافرٌ، ولكنه نوع جديد من الكفر كفر مجازى يفيد التعصب لقناعات ثقافية معينة؛ ورغم تجاوز الفكرة؛ لأن هذا الكلام ينطبق فقط على المتطرفين الدينيين، وبقدر ما يحيرنى أمر اللادينيين؛ وليس لأنهم لادينيون، فهذا أمر يرجع لقناعة أو عدم قناعة يمليها عليهم سلطان العقل، كما يملى على الدينيين العكس، والأمر كله فى الحالين شأن خاص ليس لى ولا لغيرى أن يعلق أو يحاسب عليه ولا يخصنا؛ لا أذيع سراً بأنى أجد بعضاً من متعة فى مناقشات مثقفيهم، فلا أحد يستعذب النقاش مع ظله؛ وهؤلاء لا يكونوا ظلاً بطبيعة الحال؛ فقد تخدم نقاشاتهم قضية التطوير والتطهير بطريقة أو بأخرى إذ يفتحون بجسارة الملفات المغلقة و"المسكوت عنها" ودون تحفظ أو رهبة مثل التى يجدها الدينيون فيفسحون بذلك مجال نقد وتفنيد الأفكار والروايات بما يتيح فرصة المراجعة، ما هو مقبول وما يرفضه العقل والضمير الإنسانى بما يسمح بتنقية ما يعلق فى الأذهان من ادران خطأً باسم الدين وتوضيح أى لبس موجود؛ فقناعاتى أن كل عمل بشرى يحتمل النقد وأن ما يرفضه العقل والضمير لا يمكن أن يكون من عند الله، وأن ما هو من عند الله لن يرفضه العقل والضمير، المهم أن هذا الوصف المختزل لتوفيق فى حقيقة الأمر قد يفك جزءا من أحجية اللادينيين لدى فإصرارهم على قناعتهم وتعصبهم لها فى النقاش معهم وطريقتهم كلها أحوال تشبه كثيرا طريقة وإصرار ونقاش المتطرفين الدينيين، فكثيرون منهم يتعاملون مع الناس بشىء من التطرف والكِبر وبقلوبٍ أغلقوها على ما فيها، وكلاهما ألصق الدين بالأفكار المتطرفة أو ألصق الأفكار المتطرفة بالدين، ولو كان ذلك عند الأول على سبيل الرفض لا على سبيل القبول كما هو الحال عند الآخرين، ولكن وجه الشبه أن كليهما يعتبر أنها من ثوابت الدين، وقد يكون أحمد خالد توفيق رأى لهذا السبب ان هناك متطرف ثقافى لادينى يرى كما يرى المتطرف الدينى الآخر مخطئا ومتخلفا تماما ويفترض أن عنده هو الخبر اليقين، وكان على الآخر أن يخر له ساجداً فهو أيضاً صاحب رسالة كالثانى يستميت فى توصيلها وأيضاً بلا احتمال أن تكون تقديراته هو الآخر خطأً!.

 

عن تجربتى الشخصية فالشخصية المتطرفة سواء يميناً أو يساراً تقف أمامى بطريقة ما عقبة فى طريق الإصلاح الدينى فالمتطرف الدينى حصَّن كل أفكاره بخلع القدسية عليها، فلا مجال لمناقشة المقدس وأى مناقشة معه تعتبر خروجاً على الدين وتعطيه حق تصفيتك جسديا، وهذا لا رجاء فيه ولا يرجى منه شىء.. واللادينى حصن أفكاره بالثقافة والعلم وظن أنها بذلك ثابتة راسخة بينما العلم متغير وكذلك الفكر، وفكرة اللادينيين الذين يقولون إن غايتهم مثلنا الإصلاح عكس فكرتنا؛ فنحن نظن أن الشر موجود مع الإنسان أيا كان وأن الهدف من الأديان هو تهذيب السلوك الإنسانى لتخليص العالم من الشرور، ولأننا نؤمن بأنه سيظل احتياج الإنسان للدين احتياجه للطمأنينة والسلام الداخلى تتركز أهدافنا ومساعينا فى الحفاظ على الدين لا سيما فى الصورة التى نفهمها بترسيخ أفكار الحب والخير والتسامح التى نؤمن بأنها؛ دون غيرها من الأفكار الخبيثة؛ هى صحيح الدين وكل همنا أن ينبذ الناس هذه الأفكار الخبيثة التى نعتقد تمام الاعتقاد انها دخيلة على الأديان جميعها، وأنها من إضافات البشر، ولذلك نرى أن علينا جميعاً تنزيه الدين منها لأنه لا يمكن بحال ان تكون هى مراد الله و نؤمن كل الايمان أن غاية الأديان واحدة لأن الدين كله واحد، لأنه كله من عند الله ونظن أيضا - وليس كل الظن إثم - أنه حين ننجح فى ذلك سيسود الخير والمحبة بين الناس؛ بينما يرى اللادينيون العكس؛ أن الأديان هى مصدر الشرور وأنها تفرق ولا تجمع و هى فى نظرهم سبب التباعد والعداوة و البغضاء وحتى الاقتتال بين البشر، لذلك هم يؤمنون ان العالم بغير أديان سيكون أفضل؛ ودليلهم على ذلك أفعال المتطرفين الدينيين؛ ولذلك فهم على عكسنا يبحثون عن كل ما يشوه الدين لأن هدفهم النيل من الأديان لا تنزيهها لذلك، وبالرغم من قولهم إن ما يشغلهم هو تحسن اخلاق الناس ومعاملاتهم حتى يعيشوا مع بعض بسلام، تجدهم لا يرضون عنا؛ نحن؛ إذا جاز لنا أن نصف أنفسنا بالإصلاحيين؛ وبالرغم من أن هدف كلانا أن يعيش الناس مع بعضهم البعض فى سلام ونعمل على ذلك فى توافق تام وهدفهم الذى يعلنون ما من مرة تحدثت عن الدين السمح إلا واستهدفوا حديثى واستهجنوه!.

وإذا حاولت الاستمرار وسقت الأدلة على كلامى من الدين أو بحجة منه فهم لا يكتفون بألا يعضدوا كلامى بل يحاولون دحضه وهدمه ولا أسلم وأصبح فريسة الطرفين لا نصير!! فتصيبنى منهم الحيرة! ألا يرضيهم أن يعيش الناس مع بعضهم البعض بسلام أيا كانت معتقداتهم "دينيين أو لا دينيين"؟ هل لا يشغلهم أن يعيش الناس بسلام بقدر ما يشغلهم ان يهجر الناس الدين! لو أنهم يصبون جهدهم على النقد بمعنى النقد ما فيه من خير وشر وليس همهم التقريع وفقط لكانوا أكثر موضوعية وإقناعاً، ولخدموا قضية التنوير أكثر، فالهجوم الدائم ينال من مصداقية الناقد ، ولكأنهم يعينون التكفيريين فهم لا يألون جهداً فى البحث عن كل شطط وكارثى قال به أحد المعاتيه أو المغرضين من المسلمين وغيرهم فى يومٍ من أيام الله فى بقعة من بقاع الأرض فى ساعة من ساعات هذيانه، حتى لو بأباطيل لا يمكن إثباتها مثلهم فى ذلك مثل المتطرفين، يظهرونه على أنه حقيقة لا تحتمل الجدال تماما مثلما يفعل عتاة التطرف الدينى ويساعدونهم على نشره فيصيبنا الإحساس بالإحباط واليأس من كلا الطرفين، فكلاهما يعمل ضدنا و ضد قضية التطوير ولا يرجى منهما إصلاحاً فأحدهما يريد الهدم والآخر يريد التحصين!، وكلاهما يصر على رأيه ولا يقبل تغييره مع اختلاف الأهداف؛ فأحدهما يثبت أخطاء ما يحسب على الدين لا سيما العنف لهدمه والآخر يثبت صحة ما يحسب من الدين لاسيما العنف لأحكام قبضته وكلاهما فى النهاية يؤول الدين فى نظرى خطأ على أنه العنف و الارهاب لنصل الى نتيجة واحدة و ان اختلفت الأهداف والنوايا والأسباب ان هذا هو الدين لا تحلمون بأى إصلاح.

 

لا عاشق ولا كاره يصلحان، فالعاشق لا يرى عيباً فيما يعشق فليس هناك ما يحتاج لان يغيره و الكاره لا يرى فضلاً فيما يكره فليس هناك ما يجدر الاحتفاظ به ففى نظر كليهما هذا هو الدين لمن يريد يأخذه زمرةً واحدة أو يتركه ففيما الإصلاح إذا!.

 

وهكذا انقسم موضوع الدين بين ثلاث فرق، فرقتان لا تبغيا للأمر إصلاحاً والفرقة الوسط تتلقى الصدمات من كل الأطراف! خوفى أن تمل الفرقة الوسط وتصمت لتكاتف الأطراف ضدها من يكفرها، ومن يدحض كلامها ويضيع كل رجاء فى الإصلاح والرابح الوحيد فى هذه المعادلة هو التطرف والإرهاب.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة