عباس شومان

أسد الله

الخميس، 14 يونيو 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بمجرد أن نسمع لقب أسد الله، ينصرف الذهن مباشرة لخير أعمام رسول الله عليه وسلم وأخيه من الرضاعة، حمزة بن عبدالمطلب الهاشمى القرشى، سيد الشهداء، فارس قريش الأول، وأكثرهم منعة وعزة، وأشدهم شكيمة، وأقواهم بأسًا، يمشى فى قريش بترفع وإباء عجيبين، ولم يدر فى خلد أبى جهل أبداً أن يكون سبباً من أسباب دخول هذا البطل إلى الإسلام، والقصة تبدأ بعد ست سنوات من البعثة النبوية وبينما يخرج سيدنا حمزة رضى الله عنه من مكة بغرض الصيد الذى يهواه قلبه فى هذا الوقت، وبينما النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة، يمر به أبوجهل فيتطاول عليه ويسبه ويؤذيه بلسانه إيذاءً عنيفاً، والنبى كعادته هادئ الطبع سليم السريرة لا يرد على السفهاء ولا يزيد مع كثرة الأذى إلا حلماً وصبراً، لكن عقل أبى جهل يكاد يطير ويجن من حلم النبى صلى الله عليه وسلم، فيتصرف كصبى أرعن أحمق ويحمل حجراً ويقذف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسيل الدم الشريف من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفرح أبوجهل بسفاهته هذه وينصرف مسرعاً لقومه يفاخر بفعلته الشنعاء، وكأنه يقول: يا قوم بى سفاهة، وقد رويتها بماء الغضب، حتى نلت من أشرف الخلق، ويحكى فعلته الشنعاء عليهم، وبينما هو يفاخر ويستعرض سفاهته يعود الأسد الهصور إلى عرينه فتترامى الأنباء إلى سمعه وكان يومئذ لم يسلم، وتقول له جارية: «يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفًا من أبى الحكم بن هشام؟ وجده هاهنا جالسًا فآذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه محمد لم يكلمه»، ينصت حمزة لكلامها وكأن قلبه يحدثه قائلاً: هل وصلت السفاهة بأبى جهل أن يمد يده بالأذى لأشرف شرفاء بنى هاشم وأشرف قرشى على الإطلاق؟! وهل لو كان أخى أبوطالب على قيد الحياة كان يمكنه أن يفعل بابن أخيه الذى نشأ يتيماً ذلك؟! لا والله لا أترك ابن أخى، وألقى الله محبة النبى صلى الله عليه وسلم ومحبة الدين فى قلب حمزة بن عبدالمطلب، فانطلق كالسهم الذى لا يوقفه شىء ولا يرده أحد، إلى مجلس أبى جهل بين أنصاره ومؤيديه وأصحابه وأفراد قبيلته عند المسجد الحرام؛ ليقف إِزاءه مباشرة، وبكل هدوء وطمأنينة وثبات وشجاعة يرفع قوسه ويهوى به على رأس أبى جهل فى ضربة موجعة، شجت رأس أبى جهل وأسالت دمه، كما شجت قلوب أنصاره وعشيرته، حيث كانت الإهانة واضحة فى ضربه وهو يجلس بينهم، ولم يكتف أسد الله بذلك رغم أنه كثير، بل وقف يقول ما هو أشد عليهم جميعاً من هذه الشجة التى يذهب أثرها بعد أيام لقد خلع قلوبهم حين قال: «أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول فرُد عليَّ ذلك إن استطعت؟!»، فينظر أبوجهل صاغراً لقومه قائلاً: «دعوا أبا عمارة؛ فإنى والله قد سببت ابن أخيه سبًّا قبيحًا»، لقد كان إسلام حمزة بتدبير من الخالق الحكيم فى هذه اللحظة نصرًا كبيراً للدعوة الإسلامية، ولو كان أبوجهل يعلم ما ستؤول إليه الأمور من حماقته ما فكر وهذه هى رسالتنا اليوم لجميع الصائمين: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، فأنت لا تدرى أين الخير هل الخير فيما تحب أو أنه فيما تكره، لا تنظر إلى ظاهر الأمور فقط، فربما الخير فى الضرر، وعندما تُفَاجأ فى الحياة بما لا تحب وما لا تريد وما لا تتوقع تأكد أن الله أعلم بما يصلحك وما ينفع وهو أحكم الحاكمين «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»، إذا أراد شيئًا فلا يُرَد، ولا يُمَانَع ولا يُخَالَف، تأمل أيها الصائم حفظ الله لأهل مصر من الفتن والمكر الشديد الذى أحاط بها فى السنوات الأخيرة، وكيف استطاعت أن تخرج من المحن بعزم وصمود أبنائها، يعود حمزة بعد هذه الواقعة التى زلزلت قريش إلى ربه قائلاً: «اللهم ما صنعتُ إن كان خيرًا فاجعل تصديقه فى قلبى، وإلاَّ فاجعل لى مما وقعت فيه مخرجًا»، وينطلق إلى ابن أخيه صلى الله عليه وسلم قائلاً: إنى قد وقعت فى أمر ولا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلى على ما لا أدرى ما هو، أرشد أم هو غيٌّ شديد فحدثنى حديثًا؛ فقد اشتهيت يا ابن أخى أن تحدثنى»، فيفتح له النبى صلى الله عليه وسلم أبواب الخير ويدله على الطريق المستقيم بكلمات تشرح الصدر وتنير القلب، ولأن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف شاء، يأذن الله لقلب حمزة بالإسلام ويستجيب دعاءه فيقول حمزة: «أشهد أنك الصادق، فأظهر يا ابن أخى دينك، فوالله ما أحب أن لى ما أظلته السماء وأنى على دينى الأول»، وينطلق الأسد الهصور يدافع عن الدين ويجتهد فى العبادة وينافح عن الضعفاء والمستضعفين.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة