نساء على رقعة الشطرنج.. جان دارك.. القديسة الفارسة رفضت العدوان ضد بلدها وتزعمت جيش فرنسا لصد الإنجليز فاتهمت بالزندقة.. أحرقوها مرتين وهى بعمر 19 عاما وبعد 6 سنوات على الإعدام أعادوا محاكمتها وأعلنوها شهيدة

الجمعة، 01 يونيو 2018 07:30 م
نساء على رقعة الشطرنج.. جان دارك.. القديسة الفارسة رفضت العدوان ضد بلدها وتزعمت جيش فرنسا لصد الإنجليز فاتهمت بالزندقة.. أحرقوها مرتين وهى بعمر 19 عاما وبعد 6 سنوات على الإعدام أعادوا محاكمتها وأعلنوها شهيدة جان دارك
دينا عبد العليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شىء أغلى من الحرية، من يعرفها جيدًا لا يمكنه العيش دونها، ولا شك أن الأوطان أغلى ما لدينا، وفى سبيلها قد يجاهد الإنسان ويضحى بنفسه، وتاريخ البشرية ملىء بحكايات التضحية من أجل الوطن، وهذه الحكايات لا تتوقف عند الرجال فقط، فقد قدم لنا التاريخ نماذج من نساء قاتلن بشرف وقوة وبسالة صفًا بصف بجوار الرجال، وكن فرسانا كأى رجل، ومن بين هؤلاء تقف القديسة جان دارك التى حاربت ووصلت إلى منصب قائد الجيش الفرنسى، الذى كان يحارب المحتل الإنجليزى ، ويسعى لعودة حكم فرنسا لأبنائها، وكانت وقتها مجرد فتاة صغيرة لأبوين فلاحين يعملان بالزراعة، وعمرها لم يتجاوز 16 عامًا
 
 
لكنها تعرف جيدًا معنى الشجاعة والحرية والبسالة والقتال من أجل الوطن، فقاومت وشكلت جيشًا وحاربت ورفضت الاحتلال وانتصرت عليه، ثم أوقعها ضعف غيرها فى شباك المحتل، فقبض عليها وأرسلت للمحاكمة، واتهمت بالزندقة، وهى أعظم تهمة قد يواجهها شخص خلال هذه العصور، ودافعت ببسالة عن نفسها، إلا أنها فى النهاية أدينت وتم الحكم عليها بالحرق وهى حية. 
 
ولدت جان دارك فى القرن السادس عشر فى فرنسا لأسرة فقيرة تعيش فى إحدى قرى فرنسا وتعمل بالفلاحة، ووقتها لم تكن الأمور فى فرنسا تسير على نحو جيد سياسيًا، فمن ناحية كانت إنجلترا تحاول السيطرة عليها، ووضعها تحت ولايتها، وكانت تتبع سياستها المعروفة تاريخيًا باسم «الأرض المحروقة»، فكانت تدمر الاقتصاد، وتثير الخلافات بين أبناء الأسرة الحاكمة، وتنشر الفتن والشائعات بين الشعب، فتدمر البلاد اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا فتصبح هى مؤهلة تمامًا للاستيلاء على السلطة، وهو ما كان على وشك الحدوث، خاصة مع ضعف الملك شارل السادس، ملك فرنسا، الذى فقد السيطرة، وأصبح عاجزًا عن الحكم، وهى الفرصة التى استغلها الملك هنرى الخامس، ملك إنجلترا، واستطاع السيطرة على عدد كبير من القرى بشمال فرنسا، ومات شارل السادس وحل محله ولده شارل السابع الذى عقد معاهدات مع الإنجليز مقابل حمايته، لكن الأوضاع ساءت، وتنازلت والدته عن العرش للملك هنرى الخامس، ملك إنجلترا، وورثته بدلًا من ابنها شارل.
 
وتقول بعض الروايات إن تنازلها عن الحكم لصالح هنرى وورثته يؤكد الشائعات القائلة إن قصة حب نشبت بينهما، وفرض الإنجليز الحصار على معظم قرى ومناطق فرنسا حتى أورليان، إحدى المدن التى استمرت فى موالاتها لفرنسا، والتى كانت تمثل موقعًا استراتيجيًا مهمًا لفرنسا، وكان مصير المملكة الفرنسية معلقًا بشكل كامل حول مصير أورليان.
 
لم تكن جان دارك وقتها بعيدة عن الأحداث رغم صغر سنها، فكانت تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، ولم يكن يشغلها سوى بلدها، وخروج الإنجليز منها، فطلبت يومًا من قائد الحامية «ما يعادل المحافظ فى زمننا» التى تقع بها الأذن لها بالذهاب إلى البلاط الملكى، فرفض طلبها بسخرية لكنها لم تستسلم، فعادت بعد عدة أشهر وكررت الطلب، وكانت قد تنبأت خلال الطلبين بأن قوات الإنجليز سوف تنسحب من بعض المناطق، فتحققت نبوءتها، وهو ما دعم موقفها، فأصبحت تشارك فى الاجتماعات العامة للقادة، وحصلت على تأييد لزيارة البلاط الملكى كما أرادت، وسافرت بالفعل ووصلت إلى البلاط الملكى، وطالبت من الملك شارل المشاركة فى الحرب ضد إنجلترا على هيئة فارسة للقتال، وقامت بجمع التبرعات لشراء السيوف والدروع والخيول استعدادًا للحرب، واستطاعت أن تهب للفرنسيين أملًا جديدًا فى الانتصار على إنجلترا، وأن تضفى حالة من الراحة والطمأنينة بين صفوف الجيش، وفى الشوارع بين عامة الناس، كما أن كل رجال البلاط الملكى اعتبروها مصدر الأمل الوحيد لنظام كان على وشك الانهيار إلا قلة قليلة منهم كانوا يخشون من نبوءتها، وتوجسوا من استغلال الإنجليز لذلك، واعتبارها مهرطقة، والحكم على شارل، ملك فرنسا، بأن نظامه يعتمد على السحرة والمشعوذين، خاصة أنها قالت ذات يوم إنها رأت فى منامها أنها كانت وحيدة فى أحد الحقول وحضر إليها ميخائيل، رئيس الملائكة، وكاترينا الإسكندرانية، والقديسة مارجريت الذين طلبوا منها إجلاء الإنجليز من البلاد، وإعادة ولى العهد إلى ريمس من أجل تتويجه ملكًا، وأنها بكت حين غادروا، إذ كانوا غاية فى الجمال، وهو ما دفع الملك شارل بإرسال لجنة دينية لاختبار إيمان جان دارك، فكتبت اللجنة تقريرها بأنها مسيحية متدينة لا غبار عليها.
 
قادت جان دارك ببسالة حروب فرنسا ضد إنجلترا، ورفعت اللواء وعرفت بأنها مخططة ماهرة ومحللة استراتيجية خبيرة، وحقق الجيش الفرنسى نجاحًا كبيرًا خلال توليها قيادته، وأدى انتصارها فى أورليان إلى العديد من المقترحات لاتخاذ المزيد من الإجراءات الهجومية على مواقع الإنجليز، وانتشرت الشائعات حول محاولة الجيش الفرنسى بقيادتها استعادة باريس ونورماندى، واستطاعت جان دارك إقناع شارل بمنحها حق مشاركة قيادة الجيش مع دوق ألونسون جان الثانى، كما حصلت على إذن ملكى للسماح لها بتنفيذ خطتها المتمثلة فى استعادة الجسور الواقعة على طول اللوار، تمهيدًا لاستعادة ريمس وتتويج شارل السابع، وانطلقت بالفعل وحررت ريمس وغيرها من القرى والمناطق التى كانت تابعة للاحتلال، ونالت وقتها كثيرًا من الاحترام والتقدير من قادة الجيش، وبعد هذه الانتصارات بقيادتها عقد الفرنسيون هدنة مع الإنجليز، مما جعل دور جان دارك يتضاءل، ولكن الهدنة انتهت سريعًا ورحلت جان إلى كومبيين للمساعدة فى الدفاع عن المدينة فى وجه الحصار الانجليزى البورغندى المشترك، واشتبك الطرفان، ودفعت نتيجة هذا الاشتباك جان دارك، التى تم أسرها بعدما حاولت قواتها الهجوم على أحد معسكرات البورغنديين، وأُسقطت من على فرسها بوساطة أحد الرماة، وتمكنوا من القبض عليها، وكان الشائع وقتها أن تقوم أسرة الأسير بتقديم فدية مقابل تحريره، لكن المحكمة رفضت ذلك، فحاولت الهرب عدة مرات، وقفزت فى إحدى هذه المحاولات من برج يبلغ ارتفاعه 21 مترًا، وتم نقلها إلى مدينة أراس البورغندية، بعدها تمكنت الحكومة الإنجليزية من شرائها من فيليب، دوق بورغندى.  بدأت محاكمة جان دارك فى مقر محكمة الاحتلال الإنجليزى بتهمة الهرطقة والزندقة، لكنها بالطبع كانت محاكمة بدوافع سياسية، كما كانت محاكمة غير نظامية أو شرعية، حيث حاكمها الأسقف بيير كوشون، الذى لم يكن له سلطة محاكمتها بموجب القانون الكنسى، كما أن المحكمة عملت على جمع الأدلة ضدها، لكنها فشلت فى ذلك، ولم تحصد دليلًا واحدًا على إدانتها بالهرطقة، كما انتهكت المحكمة حقها فى الحصول على مستشار قانونى، ورفضت الطلب، مما دفع جان دارك للدفاع عن نفسها، الأمر الذى فعلته بمنتهى البسالة والشجاعة، ولم يتملكها الخوف لحظة واحدة، ولعل أشهر ما يدل على ذلك سؤالها «هل تعرفين إذا ما كنت بنعمة من الله؟» وكانت إجابتها: «إذا لم أكن، فلعل الله يضعنى هناك، وإذا كنت، فلعل الله يحفظنى»، وكان السؤال فخًا من علماء الدين، حيث إن عقيدة الكنيسة تقول إنه لا يوجد أحد يعلم يقينًا إذا ما كان بنعمة من الله، فإن أجابت جان بنعم تكون قد أدانت نفسها بتهمة الهرطقة، وإن أجابت بلا تكون قد اعترفت بذنبها، لكنهم ورغم قلة الأدلة ودفاعها عن نفسها وإثبات تدينها فى النهاية أدانوها وأصدروا الحكم بحرق جسدها وهى حية.
 
نفذ الحكم فى 30 مايو 1431، وكان عمرها تسعة عشر عامًا، حيث ربطت بعمود فى السوق القديم بمدينة روان، وقبل إضرام النار فيها طلبت من كاهنين أن ينصبا صليبًا أمامها، كما قام جندى إنجليزى بصنع صليب صغير وضعته قرب ثوبها، وبعد موتها قام الجنود بإزالة الحطب المتفحم ليكشفوا جسدها، كى لا يقول أحد العامة إنها هربت بمعجزة، ثم أحرقت الجثة مرتين حتى صارت رمادًا ألقوه فى نهر السين، بعدها لم تستقر الأمور فى فرنسا سياسيًا إلا بعد انتهاء حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا عقب وفاة جان دارك بـ 22 عامًا، حيث أذن البابا كاليستوس الثالث ببدء إجراءات «بطلان محاكمة جان دارك»، وتم التحقيق مع كل من اشترك فى محاكمتها، وبرأتها المحكمة من تهمة الزندقة، وبعدها بعامين أعلنتها الكنيسة قديسة، لترد اعتبار هذه الفارسة الشجاعة.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة