د. سامى عمار يكتب: أوروبا فى ورطة!

الجمعة، 01 يونيو 2018 04:00 م
د. سامى عمار يكتب: أوروبا فى ورطة! ورقة وقلم أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنسحب ترامب وترك حلفاؤه خلفه، لم يقل لهم وداعاً ليغدوا جميعاً فى ورطة كبرى ، ولا أعتقد المصالح الاقتصادية شديدة الحيوية للأوروبيين فى إيران تمثل تلك الورطة، بل وجود الأوروبيون على الساحة الدولية بدون الولايات المتحدة الأمريكية هو الورطة . 
النووى الإيرانى امتحان صعب ولابد من النظر لأفق أبعد، فعلى الرغم من بدايته فى خمسينات القرن الماضى بتعاون مع الولايات المتحدة نفسها إلا أن إيران الشاه لم تكن تهديداً قط للجيران فى الخليج والمصالح الغربية هناك وخاصة النفطية منها، وتعتبر ثورة الخُمينى عام 1979 المحطة الأهم لتتبنى أيدولوجية راديكالية داخلية وخارجية وطنت أفكاره ورؤيته لبلاد فارس بالنصف الثانى من القرن الماضي، بل مثلت حرب الخليج الأولى دفعة كبيرة لطموح روح الله الخمينى لتملك السلاح النووى خاصة بعد استعمال الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين سلاحاً كيميائياً ضد القوات الإيرانية حسب زعم البعض أنذلك. 
ومع دعم طهران لحزب الله الذى ولِد من رحم حركة أمل الشيعية فى لبنان عام 1982، لم تقف طموحات طهران على عتبة أبواب الضفة الغربية للخليج وإنما عبرت الحدود لتصل للساحل الشرقى للبحر المتوسط المواجه مباشرة لأوروبا!. وحتى تكتمل الصورة، تمسكت طهران بالبرنامج النووى لتحقق التوازن مع إسرائيل. 
ولم تشهد العلاقات بين إيران وجيرانها تهدئة سوى مع تولى الرئيس الأسبق محمد خاتمى السلطة بفوزه على الجناح المحافظ فى انتخابات 1997 بنسبة ساحقة وصلت إلى 70% من الأصوات. ولكن سرعان ما تعكر الماء بأطلاق خاتمى مشروع مفاعل بوشهر النووى عام 2002 كرد فعل طبيعى لوصف بوش الإبن بلاده وكوريا الشمالية والعراق بـ "محور الشر" مما تسبب فى استياء المحافظون والاصلاحيون على حد سواء من الولايات المتحدة وحليفها الإقليمى إسرائيل لتعود الملصقات الإعلانية التى رفعها الخُمينى فى الثورة بل وتتصدر المشهد الإيرانى والتى صورت أمريكا بالشيطان الكبير وإسرائيل بالشيطان الصغير مع كثير من الأعلام التى حُرقِت بالميادين. 
وفى عام 2005 اشتدت الأزمة الإيرانية مع اعلان أحمدى نجاد فور فوزة بالانتخابات استئناف تخصيب اليورانيوم فى مفاعل أصفهان والذى تكلل بالنجاح عام 2006 مع افتتاحه مفاعل "آراك" رغم تهديدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية برفع تقرير عن الملف الإيرانى إلى مجلس الأمن لاتخاذ تدابير ضد طهران، ومع تصعيد من جانبها، فرضت واشنطن حزمة عقوبات شملت أغلب قطاعات الاقتصاد وخاصة الصادرات النفطية منه التى تضررت بشدة حيث انخفضت عوائدها النفطية من 100 مليار دولار سنوياً إلى 35 مليار فقط مما تسبب فى خفض سعر الريال الإيرانى نحو 60 % بالفترة 2006-2010 وحدها.
ثم جاء عام 2015 ليحمل اتفاق متعدد الأطراف بين إيران وخمس قوى كبرى وهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا لنزع فتيل الأزمة بضمان خفض عدد أجهزة الطرد المركزى وكذا كمية اليورانيوم المخصب بل وتخصيبه فى روسيا.
 الإيرانيون منحوهم 60 يوماً أما الأمريكيون منحوهم 6 أشهر.. ليقع الأوروبيون بين مطرقة طهران وسندان واشنطن لتحديد موقف شركاتهم ومصالحهم الاقتصادية الحرجة فى إيران. 
أوروبا التى سادت العالم يوماً يتم إجبارها اليوم على خوض امتحان الاستقلالية الاستراتيجية عن أمريكا التى أشارت إليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مراراً فى خطاباتها. 
وتعتبر فرنسا الأكثر تضرراً من العقوبات الأمريكية عقب قرار الانسحاب من الاتفاق، توتال وإيرباص ورينو وبيجو يأتوا فى الصدارة، ثم تأتى المانيا بالمرتبة الثانية حيث كانت الشريك التجارى الأول لإيران إلا أنها خسرت نحو 2 مليار دولار عام 2013 فقط وتعتبر شركة سيمنس الأبرز. 
رغبتهم فى الاستقلالية ولدت من رحم إدراكهم للأنانية الأمريكية التى تبلورت مع قرار ترامب الأخير، وعلينا تذكر تخلى واشنطن عن حليفها ساكاشفيلى فى جورجيا عندما اجتاحت جيوش روسيا بلاده عام 2008 بل واكتفائها بالتنديد بانتزاع روسيا القرم من أوكرانيا عام 2014.
وتبدأ الاستقلالية بتبنى الأوروبيون سياسات دفاعية أوروبية مشتركة تعزز من القدرات الأمنية، جيشاً أوروبياً موحداً كلمة رددها يونكر رئيس المفوضية الأوروبية مراراً وتكراراً لتتمكن أوروبا من استقلال قراراتها الأمنية مع تفاقم التحديات الإقليمية والداخلية. 
هذا الاستقلال العسكرى والأمني، إذا ما نجح، سيخلق تعقيدات لدى أمريكا وبريطانيا نظراً لإعتمادهم على اتفاقيات تعاون أمنى مع القارة العجوز لتبادل المعلومات والتنسيق فى ملفات محاربة الإرهاب خاصة، بل سيدفع الأوروبيون حتماً نحو خلق سياسة خارجية أوروبية موحدة ولا أتنبأ اكتفائهم بهذا الحد، ولنا أن نتوقع اتحاداً أوروبياً فيدرالياً!
فإختراق روسيا حواجز أوروبا الشرقية وهروب بريطانيا من الاتحاد يمثلا أهم دوافع الأوروبيون للمزيد من الاتحاد خاصة مع جعل ترامب مصالحهم كبش فداء أمام مصالح أمريكا التى تأتى دائماً أولاً لحماية الحليف العبري. 
وإذا نجح الأوروبيون فى مسعاهم، ستزداد الفجوة بين ضفتى المحيط الأطلسى وقد ينهار حلف الناتو لتزايد تناقض المصالح بين أعضائه، وسيصبح الطريق مُعبداً أمام الصين لتصبح شرطى العالم الجديد، بل وتقفز على قمة نظام دولى جديد بدأت ملامحه تتجلى فى الأفق.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة