تحل اليوم الذكرى الـ45 لنصر العاشر من رمضان، التى سطرها التاريخ فى حروف من نور النصر العظيم، نصر العزة والكرامة، نصر حرب أكتوبرالمجيدة، سنة 1973، "اليوم السابع" زار المجند المقاتل "محمد طه يعقوب" بطل من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وصاحب أشهر علامة نصر فى تاريخ حرب أكتوبر، بمنزله الكائن بمدينة نصر بمحافظة القاهرة، ليروى لنا شهادته كمقاتل حى على حرب العزة والكرامة، وإلى نص الحوار:
فى البداية نود أن نتعرف على السيرة الذاتية لصاحب علامة النصر فى حرب أكتوبر؟
محمد طه يعقوب، من مواليد 1947 بمحافظة بورسعيد، حاصل على بكالويوس تربية، وانتقلت للعيش مع الأسرة بالقاهرة، وعندما أتممت دراستى الجامعية، عينت مدرس رياضيات فى مدرسة "خان جعفر" بالجمالية، وعملت حوالى سنة، ولدى 3 ذكور وبنتين هما "أحمد وخالد ويسن وياسمين وندى" وزوجتى متوفية من عام 2004 وأعيش فى شقتى بمدينة نصر بالقاهرة.
كيف التحقت بالخدمة العسكرية؟
كأحد أبناء مدينة بورسعيد، عشت الأحداث التى شهدتها فترة الاحتلال الإنجليزى وكان عمرى 5 سنوات، وشاهدت الإنجليز وهما بيجروا وراء الناس فى الشوارع وناس بتموت ومنازل بتتحرق بالأهالي، كل هذا كان كافى ليفجر الوطنية بين عروقى، فضلا عن دراستى فى الثانوية العامة لمادة "الفتوة" التربية العسكرية حاليا، والتى كانت تغرس فينا الانتماء وحب الأوطان، فقررت الالتحاق بالجيش، بالرغم من حصولى على تأجيل، لأنى مدرس، وذهبت إلى إدارة التجنيد، لكى ألتحق بالجيش، ولكن جاء الرد من الضابط أنت معاك تأجيل، فحزنت جدا، ولكن إصرارى على الالتحاق بالجيش كان أقوى من أى شيئ فذهبت 3 مرات إلى إدارة التجنيد وفى المرة الرابعة، كانوا حفظوا شكلى، فقبلوا أوراقي.
وماذا كان رد فعل أسرتك فى ذلك الوقت وموقفهم من التحاقك بالتجنيد؟
أنا كنت عريس جديد، وذهبت إلى إدارة التجنيد دون علم أسرتى وزوجتى، وأخفيت عنهم الخبر إلى يوم الذهاب إلى الجيش، وضحيت بالوظفية والحياة الزوجية من أجل حبى للبلد، لأنى كنت عايز أحرر سيناء وأرجعها مع المقاتلين فى الجيش المصرى، وأسرتى احترمت رغبتى.
حدثنا عن بدايتك فى الجيش والمدة التى قضيتها به؟
سلمت نفسى فى اليوم الثانى للموافقة على قبول أوراقى، وودعت أسرتى، كانت خدمتى فى الفرقة 19 بالجيش الثالث بمدينة السويس، الكتيبة 22 مشاه ميكانيكى، وقضيت فى الجيش فى الفترة من 1972 إلى 1976 مدة 4 سنوات متواصلة.
كيف علمت بساعة الصفر؟
لم يعلم أحد بها، وكنا جميعا نشارك فى التدريبات بشكل يومى، والتدريبات قبل الحرب كانت صعبة جدا، من حيث عبور موانع مائية، والتدريب على عبور خط بارليف، وكنا نحصل على الدورات التثقيفية لرفع الروح المعنوية، ولم نكن نعرف بوجود حرب، البداية كانت حرب الاستنزاف كبدنا العدو خسائر فادحة، مجموعات كانت بتدخل تعمل عمليات خلف خطوط العدو وحصل خسائر كثيرة فى صفوف العدو.
حدثنا عن لحظة العبور فى شهر رمضان والروح المعنوية للجنود؟
قبل الحرب دخلنا فى شهر رمضان، و قبل يوم العاشر من رمضان، تم إبلاغنا بالخروج لمشروع بقرب قناة السويس، وتوجهنا إلى منطقة فى الجيش الثالث بمنطقة الجناين ، تمركزنا فى قرية الجناين وقفنا بالمعدات تحت شجر كثيف حتى لا نظهر، وفى الصباح شاهدنا تجهيزات مكثفة، وفى تمام الساعة الثانية إلا ربع ظهرا، من هنا بدأنا نعرف أننا هنعبر وبدأنا فى نفخ القوارب ونجهز نفسنا فجأة الساعة 2 بالضبط شاهدنا الطيران المصرى بدأ يدمر كل الأبراج والدشم الموجودة على خط القناة، ومن هنا أدركنا أنها الحرب، لأن كل مرة كان يتقال هنحارب ولم نحارب، لكن هذة المرة تأكدنا أنها الحرب، ولحظة العبور لن تغيب عن ذاكرتى كانت فى تمام الساعة الثانية ظهر و10 دقائق، وجاءت الأوامر بالعبور، وكانت أعظم كلمة سمعتها "اعبر"، وبدأ نقول "الله أكبر" و بدأنا العبور وكانت فرحة، كبيرة للعبور لكى نأخذ بالثأر من العدو وما كنا نشاهده منه من أعمال استفزازية على شط القناة من رقص وسماع أغانى، وكان عندهم ثقة بعدم قدرتنا على الحرب وخاصة بعد هزيمة 1967، وعبرنا قناة السويس وجاء العساكر الإسرائيليين يفروا أمامنا مثل الفئران، وقمنا باقتحمام الدشم وحصونهم وأسرنا منهم عدد كبير، وكنا فى الصيام نقضى 3 أيام بدون طعام لكن لم نشر بجوع من الفرحة.
ما سر علامة النصر التى أصبحت أشهر علامة قام بها مقاتل فى التاريخ؟
أنا لم أعرف وقتها أنها علامة النصر، كنت أقصد بتلك العلامة خريطة سيناء الغالية، وهى مثل علامة النصر فقمت تلقائيا برفعها، وسر رفعى تلك العلامة، أنه فى اليوم الثالث للحرب، حصلت معركة كبيرة جدا وغارة بالطيران الإسرائيلي، وتم توجيه عدة صواريخ نحونا، فأصابت زميل معانا بشظايا وتسببت فى بتر ساقه، ولو ظل معانا كان هينزف ويموت، وكان لا بد من نقله إلى المستشفى للعلاج فى وسط تلك المعارك، فتطوعت لحمله على كتفى وجاء معى عسكرى حمل ساقه المبتورة، وذلك مسافة كيلو فى المياه حتى وصلنا إلى القناة، وكنا نختبى كل بضعة من الوقت حتى لا نصاب من الصواريخ، إلى أن وصلنا شط القناة، وسلمته فى غرب القناة للوحدات التى كانت متواجدة وقامت بنقله للمستشفى للعلاج، وبعدها مكثت برهة من الوقت للوقوف فى الشمس حتى تجف ملابسى، لكى أعبر مرة ثانية، وفى تلك اللحظة قابلنى أحد المراسلين الحربيين، وقالى لى أنا شاهدت ما قمت به وعايز ألتقط لك صورة، وأنا على معبر الجناين على شط قناة السويس من ناحية الغرب، رفعت علامة إشارة منى إلى خريطة سيناء التى تقع بين خليج السويس وخليج العقبة، وتوقعت أن تجوب هذة الصور العالم، فأردت أن أطمئن الجميع أن سيناء أصبحت فى يد المصريين، وتذكرت أننا منتصرين بالداخل، ومن هنا أصبحت علامة النصر فى التاريخ المصري، وفى كل الاحتفالات يرفعها الجميع.
حدثنا عن معركة جبل المر وكيف حاربتم العدو رغم تفوقه فى العدد والمعدات؟
كملنا الحرب، وكنا نريد نثأر ونعرفهم أن الجندى المصرى خير أجناد الأرض، وفى يوم العاشر من أكتوبر جاءت الأوامر باحتلال جبل المر، وكان أعلاه مدفع كبير يستخدم فى ضرب مدينة السويس كل صباح، ومات بسببه كثير من المدنين ومنازل هدمت، وكنا نطلق عليه اسم مدفع "أبو جاموس"، هو مدفع هاوتزر عيار 155 ملم، وأطلق عليه أهالى السويس هذا الاسم لصوته المخيف، ولشدة تدميره، وهو مدفع فرنسى الصنع، ضخم، يرتكز على أربع عجلات، ويحتاج لـ8 جنود لتشغيله، وكانت تطلق منه القذائف على مدينتى السويس وبورتوفيق، وتقصف مصانع البترول، والمنشآت المدنية بمدينة السويس.
وجاءت الأوامر بتحرير الجبل مع ضرورة تعطيل المدفع، وكان عددنا 28 مجند بقيادة العقيد "محمد الفاتح" قائد اللواء الثاني، وكان يحارب معنا فى ساعة دخول الحرب تتشال الرتب وكله يرتدى ملابس واحدة، وقال لنا القائد "الشهادة فوق الجبل واحنا صايمين" والجبل كان عليه أسلحة كثيره مع مدفع أبو جاموس، وكانت لدينا عزيمة وإصرار على صعود الجبل بالرغم من الصيام، وتحملنا الضرب من العدو فوق الجبل، حتى استشهد منا 12 مجندا، إلى أن تمكنا من صعود الجبل، وهرب العدو من الخلف وتركوا الأسلحة وتمكنا من تحرير الجبل، وتوقف من يومها الضرب على مدينة السويس نهائيا بعد إسكات مدفع أبو جاموس، الموجود حاليا فى عيون موسي.
وتابع" "للعلم أثناء تلك المعركة، كانت الذخيرة نفذت منا، وهجم علينا 4 دبابات للعدو وبدأت فى الضرب علينا، وكنا 8 أفراد فى هذه المعركة، فاجتمعنا وقررنا أن كل واحد منا يمسك طوبة، ونفتح البرج، ونفذنا الخطة، وأعتقد العدو أن الطوبة قنبلة، وكان كل برج نفتحه يطلع العدو يسلم نفسه، وأسرنا 4 دبابات، ولكى يعلم الجميع أن الجندى المصرى خير أجناد الأرض، لا بسلاح ولا من غير سلاح، بيقدر بالعزيمة وحبه لأرضه وأنه على حق أن يعمل المستحيل حتى يحقق النصر لمصر.
وكيف تغلبتم على نقص الإمداد طوال تلك فترة الحرب والحصار؟
تعلمنا فى التدريبات قبل الحرب التعايش مع البيئة اللى عايشين فيها، والبيئة الصحراوية لم يكن موجد بها سوء ثعابين وفيران، كان يقوم عدد من الجنود منا باصطيادها ويابخته ال كان يلاقى تعبان، كنا نشويها ونأكلها، وبالنسبة للمياه كنا نقاتل من أجل الحصول عليها، لأنها كانت بالقرب من العدو، وبعيدة عنا وكنا نشكل شبه فرق نسميها الفرقة الانتحارية، لأنه كان ممكن ترجع بالمياه أو لا، وكنا نأخذ معنا 4 جراكن كبيرة من البلاستيك، ونختار الليل وفى ليلة لا يكون فيها القمر، ونمشى بدون نور وفى هدوء، حتى نصل أبار عيون موسى، و لو العدو شعر بنا يبدأ فى الضرب علينا، وكنا نقسم بعضنا مجموعة تشتبك معه ومجموعة تملأ المياه، وفى إحدى المرات أصبت بطلقتين فى ساقى ويدى، وبعد عودتنا بالمياه كنا نوزعها عيلنا كل مجند يحصل على كمية فى زمزمية.
هل تعاملت مع الأسرى الإسرائيليين بعد الحرب؟
نعم، وكان لدينا تعليمات فالجيش المصري، لا يعذب أسير، ولا يضربه، وأتذكر مرة أسرنا 4 منهم، وكانوا مرعوبين أننا سنقتلهم ففهمناهم أن الجيش المصرى لا يعذب أسير، وكنا نسقيهم مياه، ولكن أصرينا على إن يرتدوا البيجامة الكستور، وكنا نقصد من ذلك أن يلبسوا من الصناعة المصرية، حتى عدد كبير من الأسرى بعد عودتهم لإسرائيل عادوا بالببجامات الكستور.
وما هو رد فعل أسرتك لأول مرة بعد العودة من الحرب؟
أغمى عليهم فور مشاهدتى فالجميع كان يتوقع استشهادى أو أسرى، حيث بقيت فى الحصار لمدة 4 شهور ونصف بعد الحرب، حيث انقطعت أى أخبار تخصنى بعد الحرب مع أفراد أسرتى، وكانت العودة مشاعر امتزجت فيها الفرحة بالدموع.
ما هو الموقف الحزين الذى عاشه صاحب علامة النصر ولن ينساه أبدا؟
قبل الحرب بشهر كنت فى إجازة عائلية، وكانت زوجتى قد وضعت طفلتنا الأولي، وكنت فى قمة الفرحة الشديدة، وبعد يومين ودعتهما وسافرت للجيش، وطول فترة الحرب كنت أتخيل طفلتى وأرسم لها صورة فى خيالى وعن كيف أصبح شكلها بعد 7 أشهر من غيابى عن المنزل، وبعد الحرب وعودتى للمنزل، سألت على طفلتى كان الرد الصادم من زوجتى أنها توفت وكان عمرها 6 شهور، وكان إحساس فظيع أنى قصرت فى حق طفلتى وعلاجها لكن إرادة الله فالوطن أغلى من الحياة والأبناء.
بالرغم من الحرب وشدتها لكنا لا تخلو من مواقف طريفة حدثنا عنها؟
ابتسم قائلا: عندنا مثل اسمه "شر البلية ما يضحك" حيث من أكثر المواقف الطريقة التى مرت علينا فترة الحرب، كانت فترة الحصار للفرقة 19 حيث مكثنا فى الحصار لمدة 134 يوم 4 شهور، ومن هنا أطلق علينا فرقة الأبطال، فى تلك الفترة، كان أغلبنا شبه إنسان الغابة، لكبر لحيتنا وشعرنا وعدم وجود أدوات حلاقة معنا، فكنا ننظر لبعض ونضحك لدرجة أنه جاء علينا فترة كنا لا نعرف بعض إلا بكلمة سر، من كبر شعرنا ولحيتنا.
لماذا ظللت جندياً مجهولاً طوال تلك السنوات؟
نعم فبعد عودتى من الحرب سافرت للعمل مدرسا فى دولة الكويت لمدة 30 سنة، وكانت الحرب شريط من الذكريات فى خيالى مع كل مناسبة وطنية أستعيد شريط الذكريات بمفردي، محتفظا بتلك الصورة لى فى الحرب، وكان أبنائى وأحفادى يعرفونها جيدا، والصورة لم تنتشر إلا بعد سنة 2000، عندما أخبرنى أحد أحفادى بمشاهدته تلك الصورة دون ذكر إسم صاحبها، على صفحة مجموعة 73،على موقع التواصل الإجتماعى فيس بوك، وكانت صفحة تؤرخ أبطال حرب أكتوبر والأحياء منهم، فتواصلت معهم، وأخبرتهم أنى صاحب الصورة، وبعدها اتصلوا بى وأجروا معايا لقاء تم نشره على الصفحة، ومن هنا كانت بداية انتشار الصورة.
ما هى الرسالة التى يوجهها صاحب أشهر صورة فى تاريخ حرب أكتوبر للشباب؟
أقول لكل شاب مصرى إقرا تاريخك جيدا، وهتعرف أن مصر الآن فى حالة حرب أشرس من الحرب التى خاضتها فى حرب أكتوبر، لأننا فى حرب أكتوبر كنا نعرف عدونا مين، لكن حاليا العدو مختفى يطلع من أى مكان، وأقول لكل مدرس يحب مصر، أن يقتطع من وقته فى بداية الحصة 5 دقائق يحدث الطلاب عن تاريخ بلادهم، فعندما كنا طلاب فى الثانوية العامة، كنا نأخذ دورة تدريبية فى منظمة الشباب، ندرس خلالها السياسة ونتعرف على أهم الأمور السياسية وكنا نقضى 10 أيام فى المعسكر نعرف يعنى إيه مجلس نواب، لكن حاليا يوجد جيل جاهل بتاريخ بلاده، فلا بد من أن كل ما حصل فى حرب أكتوبر يؤرخ بشكل أكبر وكافى، ومن خلال ندواتى بالجامعات المصرية، أجد جيل من الشباب متشوق لمعرفة كل شيئ عن حرب أكتوبر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة