نشوي رجائي السماك تكتب : أشوكا

الأربعاء، 23 مايو 2018 11:00 ص
نشوي رجائي السماك تكتب : أشوكا جزيرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بينما تستعد علي أحد شواطيء الجزيرة المنسية مجموعة من الصيادين لرحلة صيد, صاح أحدهم :

- انظروا ....هناك جثة ألقاها البحر إلي الشاطيء .

ركض الجميع تجاه الجثة التي لفظها البحر فوجدوا بقايا جثة بشرية متحللة قد أضاعت المياة المالحة ملامحها, عليها بقايا ثياب ربما تشبه تلك التي كان يرتديها الملك "أشوكا" الذي اختفي أثناء ركوبه البحر في رحلة صيد مع أسرته منذ أكثر من أسبوعين فقد ضربهم إعصار عنيف لابد و أنه قد دمر المركب التي استقلها "أشوكا" و من معه فغرقوا جميعا.

انتشر الخبر سريعا بين أهل الجزيرة و رجال الملك الذين هرولوا لمعاينة الجثة. فشل الجميع في إيجاد ما يثبت او ينفي أن الجثة للملك, ربما تكون له أو لواحد من الذين صحبوه في رحلة الصيد المشئومة و لكنهم قرروا اعتبارها جثة الملك.

ساد الحزن في أرجاء الجزيرة منذ أن فقدوا ملكهم المحبوب "أشوكا" فقد كانوا يحبونه إلي درجة التقديس منذ أن وطأت قدمه جزيرتهم المنسية قبل عشرين عام حيث خرج "أشوكا" من الهند وطنه الأصلي كقبطان سفينة تجارية ضخمة محملة بشتي أنواع البضائع الهندية مثل الأقمشة، البذور و الغلال، التوابل، العطور و أشياء أخري. ضلت السفينة طريقها في ظروف غير مفهومة حتي وصلت إلي شواطيء جزيرة تجهلها الخرائط , أسماها " أشوكا " فيما بعد بالجزيرة المنسية. كان أهل هذه الجزيرة آنذاك يعانون من تخلف شديد عن الحضارة الإنسانية . كانوا لا يعرفون سوي الصيد البري و البحري رغم أن أرض الجزيرة تصلح للزراعة. كانوا يأكلون عجائزهم و ضعافهم حين تضن عليهم الطبيعة بالغذاء. جاءت إليهم السفينة الهندية حاملة معها شتي أنواع النعم قدمها لهم "أشوكا" و رجاله بطريقة استطاع بها كسب ودهم و حبهم، ثم نجح في وضع أسس لقيام حضارة إنسانية في هذه الجزيرة المنسية، قضي علي كثير من عاداتهم السيئة و علمهم أيضا الزراعة و أدخل إليهم بعض المحاصيل الهندية من خلال زراعة بعض أنواع البذور المحملة علي سفينته . وضع " أشوكا " دستورا للجزيرة  ، بل كتب تعاليمه وفلسفته لتكون مصباحا يساعدهم في إنارة طريقهم نحو الحضارة .

خلال عشرين عام فقط استطاع "أشوكا" أن يجعل من أهل الجزيرة المنسية أناس يشعرون بإنسانيتهم , يتراحمون ، يتعاونون، يتعلمون ، يخططون، يعملون في نظام و يحتكمون إلي دستور الجزيرة الذي وضعه ملكهم  " أشوكا " الذي صارت له قدسية لم يطلبها لنفسه و لكن منحوها إياه لاشعوريا من داخل أنفسهم فقد استطاع أن يضيء لهم نورا ليبحث كل منهم بداخله عن إنسانيته التي لم يكن مهتديا إليها.

استطاع " أشوكا " أن يختار من أهل الجزيرة مجموعة منتقاة من أكثر الناس ولاءا لحلم الحضارة و أكثر نباهة وحرصا علي إعمال تعاليمه ليكونوا رجاله في البلاط الملكي . لقد جاء من بلاد عرفت الحضارة وشاءت الأقدار أن تلقي به في أرض خلت من أسس الحضارة و لذلك كان حلمه أن يصنع حضارة تحمده عليها أجيال متوالية ستأتي لتكمل ما بدأه في هذه الأرض المنسية .

أقيمت جنازة مهيبة للجسد البشري المتآكل الذي ألقاه البحر إلي الشاطيء معتبرين أن هذا الجسد لملكهم المحبوب، بعدها تم إعلان الولاء ل " سيكار " أحد رجال الملك المقربين و الذي كان يتميز بذكاء و فصاحة, كما كان أكثرهم قدرة علي الإقناع.

لم يستطع أحد أن ينسي "أشوكا" بل كان "سيكار" يذكرهم دائما به و يبكيه في كل المناسبات. لم يعلم أهل الجزيرة رجلا يبدو عليه كل هذا الوفاء لأشوكا و تعاليمه أكثر من ملكهم الجديد "سيكار". و لعل هذا ما جعل "أشوكا" يزور "سيكار" في منامه بين الحين و الآخر و يشكره لحسن رعايته للجزيرة و يطلب منه توضيح و تعديل بعض تعاليمه الذي تركها لهم هكذا أعلن "سيكار" للجميع و حين استفهم منه البعض عن سبب التعديلات التي يريد " أشوكا " أن يضيفها لتعاليمه أجابهم  :

- "أشوكا" لم يمت إنما انتقل إلي عالم آخر يكون فيه أكثر اقترابا من الحقائق الكاملة وهو من هذا العالم الآخر لازال يعلمنا و يصحح ما خطه في حياة لم يكن فيها بكل هذا القرب من الحقيقة.

و بدأ "سيكار" يجري تغييرات كبيرة في  تعاليم "أشوكا" و لكنه بدأ يصطدم بسخط الناس حين قام بتغيير التعاليم الخاصة بحرية التعبد للإله الواحد الذي يحب الخير و الجمال و الفضيلة و قام بتغيير ما كتبه "أشوكا" بخصوص تحريم قتل الإنسان لأخيه الإنسان تحريما مطلقا و تحريم قتل الحيوانات سوي بغرض الغذاء أو دفع الخطر. فقد ادعي "سيكار" أن "أشوكا" يأمرهم من عالمه الأرقي بأن يوحدوا طريقة التعبد للإله الواحد لأن الإله الواحد أصبح متجسدا في الحاكم الذي يحمي الفضيلة في أرضهم و من يزغ عن هذا الأمر فقتله واجب يشكرهم الإله علي فعله.

تلون حكم "سيكار" بلون الدماء التي أراقها رجاله مدعيين التقرب إلي الإله الواحد منتظرين منه ان يشكرهم علي حماية الفضيلة من المارقين عن عبادته بعد تجسده في  الملك "سيكار".

وفي إحدي الليالي شاهد حرس قلعة الملك سفينة تقترب من الشاطيء الشرقي للجزيرة وتم إبلاغ الملك الذي جمع رجاله المقربين حيث أجمعوا أمرهم أن يرسلوا مجموعة من الجنود نحو السفينة يستوضحوا أمرها ، و بالفعل ذهب الجنود لاستيضاح أمر السفينة وكانت المفاجأة أن "أشوكا" المقدس علي متن هذه السفينة و معه القليل المتبقي من أسرته و أصحابه عائدين إلي الجزيرة المنسية .

وصل الخبر لسيكار الذي جن جنونه وأمر بكتمان الخبر ثم اجتمع بشرذمة من أعوانه و رتبوا هجوما علي السفينة لقتل كل من فيها والعودة إليه برأس "أشوكا".

استطاعوا بالفعل تنفيذ ما أمرهم به "سيكار"، ثم كافئهم بقطع رؤسهم جميعا حتي يموت معهم السر الذي عرفوه من أمر "أشوكا". فشعر أنه الآن يحق له أن ينام قرير العين لا يخشي شيئا,

لقد ظن "سيكار" أنه في مأمن من ثورة أناس آمنوا بإنسانيتهم و بأن الإله الواحد يحب الخير و الجمال و الفضيلة و لكنه بعد سنوات قليلة أدرك أنه كان واهما. كان "أشوكا" محقا حين حرص علي أن يكون الشعلة التي تنير طريق الإنسان ليتعرف علي إنسانيته ، فهذه المعرفة وحدها كفيلة بأن تبني إنسانا لا يهدمه المضللين .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة