"لن يكون هناك رابح من الحرب التجارية.. الجميع خاسرون" هكذا حذرت مديرة صندوق النقد الدولى كريستين لاجارد قبل أشهر قليلة من حرب تجارية محتملة، جراء إجراءات متبادلة هددت بها أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم هما الولايات المتحدة والصين، ولكن يبدو أنهما تأكدا تماما أنهما خاسران من الحرب لا محالة فقررا إنهائها قبل أن تبدأ.
التلويح بالحرب التجارية بدأ منذ الحملة الانتخابية لترامب عام 2016، عندما تعهد باتخاذ تدابير لاستعادة الوظائف الأمريكية المفقودة بسبب التغلغل الصينى، ودائما ما يكون الميزان التجارى بين البلدين فى صالح الصين التى تحقق فائض تجارى على حساب أمريكا التى تسجل عجزا سنويا فى المعاملات مع الصين بلغ أقصاه بواقع 375 مليار دولار عام 2017، وهو ما يراه ترامب تهديدا لاقتصاده، ويطالب دائما التنين الصينى باتخاذ إجراءات لتحقيق سياسة تجارية أكثر عدالة.
وفى 8 مارس الماضى وقع الرئيس ترامب قرارا بفرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية من الصلب بنسبة 25%، ومن الألومنيوم بنسبة 10% من 110 دولة حول العالم، ولكنه منح لنفسه حق استثناء بعض الدول من الرسوم أو تخفيضها، وهو ما آثار حفيظة دول العالم، وعلى رأسها كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبى، ولم تكن الصين مقصودة بشكل مباشر من هذا القرار.
لم يكتف ترامب بإثارة دول العالم ضده بل سارع بتوقيع مذكرة رئاسية فى 23 مارس الماضى، يتم بمقتضاها فرض حزمة جديدة من التعريفات الجمركية على الواردات من الصين بقيمة تصل 60 مليار دولار، ردا على ما تراه واشنطن سنوات من انتهاك الملكية الفكرية وسرقة التكنولوجيا من الشركات الأمريكية.
وفى المقابل كان الرد الصينى عنيف بإذ قالت إنها ستدرس إجراءات مماثلة تفرض بمقتضاها رسوما جمركية إضافية بنسبة 25% على 128 سلعة من الواردات الأمريكية، بما فى ذلك واردات لحوم الخنزير والنبيذ، بما قيمته 3 مليارات دولار، وذلك فى 2 أبريل المنقضى.
التهديدات والقرارات المتبادلة بين الصين وأمريكا تسببت فى تعرض أسواق المال العالمية لهزات متتالية نتيجة ترقب اشتعال حرب تجارية بين أمريكا والتنين الصينى، وتعرضت أسعار النفط لارتفاع متواصل جراء هذه التهديدات، خاصة وأن الصين هى أكبر مشتر للنفط فى العالم، ودخولها فى أى حرب تجارية يؤثر بصورة كبيرة على أسعار النفط باعتبارها المستهلك الأكبر فى العالم.
ولكن سرعان ما هدأت الأمور بموافقة بكين على زيادة كبيرة لمشترياتها من السلع والخدمات الأمريكية فى ختام محادثات تجارية مكثفة فى واشنطن، وأعلن وزير الخزانة الأمريكى فى تصريحات أوردتها وكالات الأنباء العالمية، أن الصين وأمريكا "علقتا الحرب التجارية"، وهو ما يعنى أن أيا من إجراءات فرض الرسوم الجمركية الإضافية التى هددت بها الدولتان فى وقت سابق أصبحت الآن خارج نطاق التنفيذ، وستأخذ العلاقات التجارية بين البلدين مسارا جديدا تقدمان فيه مزيدا من التنازلات لتقليل الفائض التجارى المتحقق من التبادل التجارى بينهما.
تعليق هذه الحرب التى لم تحدث بالفعل ولم تتخط التصريحات والتهديدات المتبادلة بفرض الرسوم الجمركية، كان سببا فى انتعاش أسواق المال العالمية، واستمرت أسعار النفط فى الارتفاع، ولكن الحرب التجارية التى كانت محتملة لم تكن هى السبب الوحيد المؤثر فى أسعار النفط، حيث زادت المخاوف العالمية من تراجع كميات المعروض من النفط نتيجة الانسحاب الأمريكى من اتفاق إيران النووى وتهديد ترامب بفرض عقوبات على إيران التى تعد من أكبر منتجى النفط فى العالم ويصل إنتاجها إلى أكثر من 3 مليون برميل يوميا، وفى حالة فرض عقوبات جديدة على إيران من المتوقع أن يقل المعروض من البترول وهو ما يؤدى إلى ارتفاع أسعاره، حيث تخطى سعر خام برنت 80 دولار للبرميل الأسبوع الماضى لأول مرة منذ عام 2014، كما انتعشت أسواق المال العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة