فن من أجل الأبدية.. مؤرخ بريطانى: الدنيا تعلمت الفن من الإغريق وهم تعلموه من المصريين.. أرنست جومبرتش: حضارة الفراعنة إنسانية ولا يمكن تقليدها وإخناتون هز عرش الرسم داخل المعابد

الأربعاء، 02 مايو 2018 01:37 م
فن من أجل الأبدية.. مؤرخ بريطانى: الدنيا تعلمت الفن من الإغريق وهم تعلموه من المصريين.. أرنست جومبرتش: حضارة الفراعنة إنسانية ولا يمكن تقليدها وإخناتون هز عرش الرسم داخل المعابد فن مصرى قديم
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"يوجد شكل ما من الفن فى كل مكان فى العالم، غير أن قصة الفن بوصفها جهدا متصلا لا تبدأ فى كهوف جنوب فرنسا، أو بين هنود أمريكا الشمالية، فليس هناك تراث مباشر يربط هذه البدايات بأيامنا، لكن هناك تراثا مباشرا انتقل من المعلم إلى التلميذ، ومن التلميذ إلى المعحب أو الناسخ، وهذا التراث يربط الفن فى عصرنا، يربط أى منزل أو ملصق بالفن الذى نشأ فى وادى النيل منذ نحو خمسة آلاف عام خلت، ونحن سنرى أن معلمى الإغريق قد قصدوا مصر للتعلم، ونحن جميعا تلاميذ الإغريق، وعلى هذا فإن مصر بالغة الأهمية لنا، هكذا يرصد أرنست جومبرتش، الكاتب والمفكر والمؤرخ البريطانى، فى كتابه قصة الفن، والذى صدرت ترجمته عن هيئة البحرين للثقافة والآثار، والتى قام بها عارف حديفة وراجعتها زينات بيطار.
 
10
 
 
1
 
والكتاب يدعو إلى إثارة النقاش حول تاريخ العمارة والنحت والرسم، وقد جاء الفصل الثانى تحت عنوان "فن للأبدية.. مصر وبلاد الرافدين وكريت"، وبالطبع سوف نتوقف عند الجانب المتعلق بمصر، حيث يذهب المؤلف إلى أن ما حدث فى مصر كانت فكرته الجمع بين الفن والرسالة، لأن الأهرامات والمقابر المصرية وما به من فنون كان الغرض منه هو "الحياة الأخرى"، كما أنه يوضح جانبا مهما فى الحضارة المصرية، يمكن القول بأنه جانب إنسانى حيث يقول "هذا الجمع بين التناسق الهندسى والملاحظة الدقيقة للطبيعة يتميز بهما الفن المصرى، والدراسة الأفضل له تكون فى دراسة المنحوتات النافرة والصور التى تزين جدران القبور، لكن المؤلف هنا يستدرك قائلا "والحق هو أن كلمة (تزين) لا تناسب فنا لم يعمل من أجل أن يراه أحد سوى روح الميت، فالواقع هو أن هذه الأعمال لم يقصد منها الاستمتاع، بل (ديمومة الحياة).
 
9
 
ويشرح أرنست جومبرتش فكرة إنسانية الفن المصرى فيقول إنه فى الماضى الغابر الكالح، جرت العادة أن يرافق الخدم والعبيد سيدهم القوى إلى قبره، وكان يضحى بهم لكى يصل إلى العالم الآخر مع حاشية مناسبة، وفى ما بعد اعتبرت هذه الأعمال المروعة إما قاسية وإما مكلفة، فكان الفن هو المنقذ، حيث منح عظماء هذه المعمورة صورا وأبدالا عوضا عن الخدم.
 
8
 
يقول الكتاب "إن الأعمال المصرية القديمة محيرة بعض الشىء، لأن الفنانين المصريين كانوا يصورون واقع الحياة تصويرا مختلفا جدا عن تصويرنا، إذا كانوا يهتمون أكثر ما يهتمون بالاكتمال وليس بالجمال، كانوا يرسمون من الذاكرة وفق قواعد صارمة تكفل لهم أن يبرز كل شىء داخل الصورة فى وضوح تام، كانت طريقتهم تشبه فى الحقيقة طريقة راسم الخرائط وليس طريقة الرسام.
 
7
 
ويرى أرنست جومبرتش أن الفن المصرى لا يقوم، كما هو الحال دائما، على ما استطاع الفنان رؤيته فى لحظة معينة، بل على ما كان يعرف أنه يخص شخصا ما أو منظرا ما، ومن هذه الأشكال التى تعلمها وعرفها صنع تماثيله وتصاويره تماما مثلما صنع الفنان القبلى أعماله من الأشكال التى تمكن منها، والفنان لا يجسد فى الصورة معرفته للأشكال والهيئات فحسب، بل معرفته لدلالتها أيضا، نحن نصف أحيانا أحد الأشخاص بأنه رئيس كبير والمصرى رسم السيد أكبر من الخدم، أو حتى أكبر من زوجته.
 
6
 
يقول المؤلف لا شىء فى هذه الصور يشى بأنها اعتباطية، لا شىء يبدو وكأنه بالإمكان أن يكون فى مكان آخر أيضا، فتناول قلم ومحاولة نسخ إحدى هذه الرسوم المصرية (البدائية) أمر جدير بالعناء، وتبدو محاولاتنا على الدوام "خرقاء" وملتوية وغير متوازنة، إن إحساس المصرى بالنظام فى كل تفصيل قوى جدا، بحيث يبدو أن أى تنويع بسيط يقلبه بالكلية. 
 
4
 
ويقول كتاب قصة الفن إن من أعظم الأشياء فى الفن المصرى أن جميع التماثيل واللوحات والأشكال المعمارية تبدو فى محلها وكأنها أطاعت قانونا واحدا، ونحن ندعو مثل هذا بالكلمات الذى تنقاد له إبداعات شعب ما "أسلوبا"، ومن الصعب جدا أن نوضح بالكلمات ما الذى يصنع الأسلوب، إلا أن رؤيته أقل صعوبة بكثير، فالقواعد التى تنظم الفن المصرى كله تمنح كل عمل انسجاما متقشفا ومتوازنا.
 
ويقول المؤلف اشتمل الأسلوب المصرى على مجموعة قوانين صارمة كان على كل فنان أن يتعلمها منذ مطلع الشباب، كان يكون لون بشرة الرجل أدكن من لون بشرة المرأة، وأن يحدد مظهر كل إله مصرى تحديدا بالغ الدقة.
 
ما يأخذه مؤلف الكتاب على الفن المصرى القديم أن أحدا لم يطالب الفنان بأن يكون "أصيلا" بل كلما كان المنتج الحديث يشبه القديم كان أفضل، لذلك لم يتغير الفن المصر تقريبا على مدى أكثر من 3 آلاف و500 عام، خاصة فى رسم الفنان والطبيعة.
 
3
 
ويقول أرنست جومبرتش لم يهز عرش الفن المصرى سوى رجل واحد من الأسرة الثامنة عشرة (الدولة الحديثة) هو إخناتون الذى كان متمردا على التعاليم الدينية، لذلك تخلى عن عادات كثيرة مقدسة منذ أزمنة بعيدة، ورفض تكريم آلهة شعبه الكثيرة ذات الأشكال الغريبة، وذهب إلى أنه لا يوجد سوى إله واحد اسمه "آتون" صورة على هيئة قرص شمس يرسل أشعته إلى الأسفل.
 
ويضيف المؤلف لا بد أن تكون الصور التى أمر إخناتون بأن تعمل قد صدمت جدتها المصريين فى عهده، فلا شىء من مهابة الفراعنة السابقين الصارمة كان موجودا فيها، لقد أمر بدلا من ذلك بأن يصور هو نفسه مع زوجته نفرتيتى، وهما يلاطفان أولادهما تحت الشمس المباركة، ويظهر فى بعض الأعمال رجلا قبيحا، ربما أراد أن يصور الفنانون هشاشته الإنسانية أو ربما كان مقتنعا بأهميته الفريدة كنبى فأصر على شبه صادق له.
 
2
 
ولما توفى إخناتون خلفه توت عنخ آمون الذى اكتشف قبره بكل ما فيه من كنوز فى عام 1922، وفى هذه الأعمال ما زال يظهر الأسلوب الجديد لديانة آتون، لا سيما ظهر عرش الملك إذ نرى الملك والملكة فى جو يوحى بالسعادة والبساطة.
 
إن الملك يجلس جلسة ربما أسخطت المحافظين المصريين - جلسة متكاسلة بعض الشىء بحسب المعايير المصرية، وأما زوجته فهى ليست أصغر منه، وهى تضع يدها فى رفق على كتفه بينما إله الشمس يمد يديه إليهما مباركا.
 
 
قصة الفن

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة