كثيرًا ما نسمع جملة : "الحقْ اللي وقع منك"، وذلك كأنه يسير شخص في الشارع مثلاً، فيسمع شخصًا يناديه ويقول له هذه الجملة، ثم ينظر فيكتشف أن محفظته قد سقطت منه دون أن يدري، ويمكن قياس هذا الموقف على كثير من الأشياء المادية التي تسقط منا في غفلة من الزمن، ولكن هل فكرنا للحظة، في الصفات والمعاني والقيم التي تسقط منا في لحظات فارقة من حياتنا، وللأسف حينها، لا نجد من يقول لنا من هذه الجملة؛ لأن ما يكون قد سقط منا لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، فهو شيء نحسه ولا نتلمسه، وليتنا نجد من يلفت انتباهنا إليه قبل أن يضيع إلى الأبد. فهل صادفت في يوم من الأيام من يقول : الحقْ إنسانيتك وقعت منك، أو قلبك وقع منك، أو كرامتك وقعت منك، أو مصداقيتك ، أو أخلاقك ، أو مبادئك، أو أمانتك ، أو أحاسيسك ، أو حبك، أو عمرك.. إلخ" .
ففي إحدى المرات صدم شاب امرأة عجوز بدراجته، وبدلاً من أن يعتذر لها ويساعدها على النهوض أخذ يضحك عليها ، ثم استأنف سيره ، لكن العجوز نادته قائلة : "لقد سقط منك شيئًا" ، فعاد الشاب مُسرعًا، وأخذ يبحث فلم يجد شيئًا، فقالت له العجوز: "لا تبحث كثيرًا، لقد سقطت مروءتك ، ولن تجدها أبدًا".
بالقطع ، كل من سيقرأ هذا الموقف، سيشعر باحتقار هذا الشاب، ويزهو بنفسه؛ لأنه من المستحيل أن يكون مكانه، ولكن اسمحوا لي، فكلنا هذا الشاب، دون أن ندرك، فالموقف يمكن أن يتكرر ولكن بصورة مختلفة.
فتذكروا معي كم من مرة آلمنا فيها أشخاصًا، كانوا سببًا في إسعادنا، ألم تسقط منا هنا إنسانيتنا، وكم من مرة أخذتنا العزة بالإثم ، وتسببنا في جرح كرامة وكبرياء غيرنا ، دون أن نُعير للموقف أدنى انتباه ، ألم تسقط منا هنا أخلاقنا. وكم من مرة أتتنا الفرصة لكى نعوض ما فاتنا ، ولكننا استهترنا وتعالينا ؛ حتى مضى قطار العمر، ألم يسقط منا هنا عمرنا ؟!.
وكم من مرة تُحدثنا بأشياء ، ولكننا لم نفعلها ، ألم تسقط منا هنا مصداقيتنا ، للأسف نحن لدينا براعة رهيبة في نقد الآخرين ، ولكننا محامين بارعين في التماس الأعذار لأنفسنا ، فعلينا قبل أن ننتقد الأشخاص وننظر شذرًا إلى سلوكياتهم، أن نتربص بعض الشيء بأنفسنا ، ولا ننتظر من يقول لنا " الحقْ اللي وقع منك "، فيكفي أن نقولها لأنفسنا ، فلا يحك جلدك مثل ظُفرك ، فينبغي علينا أن نحافظ على صفاتنا قبل أن تسقط منا واحدة تلو الأخرى في خضم الحياة وملابساتها ومواقفها، التي لا تنتهي أبد الدهر .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة