ميرنا محسن المنشاوى تكتب: " يوجينيا " فى ثوب جديد

الثلاثاء، 15 مايو 2018 02:00 م
ميرنا محسن المنشاوى تكتب: " يوجينيا " فى ثوب جديد فتاة تكتب - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

العنصرية...لفظة تتكرر مرات ومرات، ربما تسقط عيناك عليها فى صفحات كتاب، أو تقتنصها من شريط الأخبار المهرول أسفل شاشة التليفزيون، أو ربما تطرح فى نقاشات الأسرة حول مائدة طعام.

بالتفتيش فى ملفات الذاكرة أول ما يتراءى إلى ذهننا بعد كلمة عنصرية هو اضطهاد البيض للسود ثم ينقطع الحديث عند هذا الحد.

و أن أرادت الأسرة التعمق نوعا ما فى مفهوم العنصرية وبدء الشريط التاريخى من أوله تجدها تستعرض السير فرانسيس جالتون يضع بدايات علم يسميه اليوجينيا Eugenics أو تحسين النسل مرورا بابن عمه تشارلز داروين صاحب القانون الأشهر (البقاء للأقوى)، يؤكد كلاهما على حتمية حدوث انتخاب طبيعى لاختيار الصفوة من الجنس البشرى طبقا لمعايير هم واضعوها، وعلى الفئات الأقل ذكاء أن تتخلى عن مكانها لمن هم يستحقون الحياة.

الأمر الذى دعا إلى قيام حرب عالمية تطهر فيها دول الحلفاء الأرض ممن يدنسون قدسيتها.

تمر مناهجنا الدراسية على بعض الحقائق التاريخية - والتى تصور العنصرية فى أبشع صورها – مرور الكرام، فتلك إبادة الهولوكوست بقيادة الزعيم النازى أدولف هتلر ضد اليهود فى ألمانيا النازية تحت ستار الموت الرحيم والذى قضى على ملايين اليهود فى واحدة من أكبر الإبادات البشرية التى سطرها التاريخ.

وتلك قبيلة الهيريرو – سكان ناميبيا – 1904 م تباد بأكملها على يد الألمان فى أول إبادة بشرية فى القرن العشرين، ولم ينج من مذابحهم سوى الفارين من أرضهم لاقين حتفهم فى الصحراء.

أمثلة كثيرة تسكبها مناهجنا فى أدمغتنا لاستنكار عنصرية الغرب دون أن تتمخض عن حقيقة واحدة ألا وهى كوننا جيلا نشأ طيلة عمره فى بوتقة من العنصرية.

تعلمنا أن زميل الروضة ابن المدير لابد وأن يحصد إعجاب واهتمام المعلمين، ولما كان والده ممن يحملون اسم عبد الكريم كان لزاما علينا أبناء الفصل وقت قراءة أسماء الله الحسنى أن نتوقف عند اسم الكريم كى تتبادل المعلمة ابتسامة بلهاء مع هذا الصعلوك ولنصفق جميعا لا لشيء سوى أن هذا هو المفروض.. أنه ابن المدير يا سادة !!

تمر الأيام ويتصدر هدف تجاوز المرحلة الدراسية قائمة أهدافى لا لشيء سوى التخلص من ابن عبد الكريم إلى أن واتتنى فرصة وتنفست الصعداء يوم علمت أننى سألتحق بمدرسة جديدة حيث تعمل أمى معلمة للطلاب.

أسبوع وحملت لقب (ابنة المُدرسة) ومن حينها بدأ الكل يكشر عن أنيابه ويتطاير الزبد من الأشداق دون أن أنبس ببنت شفة.

لا أذكر أننى كنت ممن يحصلون على نصف درجة لأننى ابنة معلمة، ولا أذكر أننى تباهيت أمامهم بما لا داع منه، ولكن فكرة الكراهية التى بودلت بها فقط لتوقعهم حدوث نوع من التمييز لأبناء المعلمات ما هو إلا نتاج تراكمات ثقافة غرست فى عقولنا أولها ابن عبد الكريم وما شابهه.

تفاهات صبيانية قد لا نعيرها أدنى انتباه ولكننا معشر الكبار فى حاجة إلى وقفة مع النفس، والسؤال الآن: ألم تأتيك لحظة بادلت طفلك فيها فكاهة بادئا: (مرة واحد صعيدى... قهقهة)؟.

نكات ونكات انهالت على فى صباى حتى ارتبطت فى ذهنى اللهجة الصعيدية بوصمة الغباء، إلى أن زرت صعيد مصر بنفسى والتقيت بأذكى الرجال، يتفوقون علينا فى المسابقات العلمية، أذكياء فى أمور البيع والشراء لا يستغلون ولا يُستًغَلون.. فلا أعلم إلى تلك الساعة من مصدر تلك النكات الفارغة ؟!!

ضف إلى قاموسك مصطلح (رجل من الفلاحين) ولا أملك ما أفسر به مقصدهم، فهل الفلاح هو من علمناه يزرع ويحصد ما نأكله ؟ أم المقصود أنه ابن لقرية نائية فى غياهب الجب لا يعلم آخر صيحات العصر ولا يأتيه من بحر علومها سوى الرذاذ ؟

مصطلحات كثيرة نشأنا بينها حتى صارت عقولنا والخواء سواء، ما نبدأ حوارا إلا ونسأل أولا (أنت منين يا بلدينا ؟) ثم نقرر إلى أين تتجه دفة الحوار ناسين مليون كم2 يضمون تسعين مليونا يتحدثون المصرية لا يفرقهم سوى التوزيع الجغرافى.

لا تخلو الساحة الآن من فئة المشاهير وفئة العامة، الأغنياء ومحدودى الدخل، رؤساء الأموال وموظفى الحكومة، أصحاب كليات القمة وكليات الشعب وغيرها من التصنيفات التى صارت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ولكنى أراها يوجينيا فى ثوب جديد، ظاهرة ليست من مجتمع نازى مغير إنما وليدة مجتمع اعتاد الطبقية وهام فى التصنيفات إلى أن بعدت المسافات بين طبقاته وما نخشاه أن تطوى الطبقات الدنيا طى النسيان !

وددت لو أطبع مقالتى هذه عددا من النسخ بمسميات مختلفة أولها أننى ابنة صعيد مصر وثانيها أننى من أبناء الطبقة العليا أو مشاهير الفن والثالثة أننى واحدة من كفار قريش، فهل سأحصد نقدا متكافئا من شتى النسخ أم ستتباين النتائج باختلاف الهوية ؟!!







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة