إنه عنوان لقصة استوقفتني. فهي تحكي الحال الذي وصلنا إليه في أيامنا هذه من كثرة ( المتحذلقين والفتآئين ) بدون علم ، فقد زادت تصرفات البعض عن الحد ، فكانوا من أهم أسباب ( الهرج والمرج ) الذي يصيب الشارع في أحيانِ كثيرةِ بل من أهم أسباب انتشار الإشاعات والفتن التي يتلقفها الإعلام المغرض ليحولها ( لسبوبة) فيشعل بها الأزمات ويعمل على توجيه الرأي العام لإغراضه الموجهة والدنيئة
والقصة باختصار تحكي دخول أحد ( المتحذلقين ) على أحد المعلمين وهو يتدارس القرآن مع طلابه ويشرح لهم آياته فيقول له ( أنت مازلت تجلس تعلم الطلاب الآيات في هذا الكُتاب المتواضع في الوقت الذي صعد فيه البعض على سطح القمر ؟ )
فيرد عليه المعلم بثقة ( وماذا في ذلك يا أخي فمخلوق ذهب ليكتشف مخلوق أما نحن هنا نبحث في القرب من رب المخلوقات .
ويستطرد المعلم مكملاً حديثه لذلك ( المتفيهق ) قائلاً ( ولكنك يا أخي أنت الخاسر الوحيد في تلك المعادلة ) فيقول له ( لماذا ) يقول له المعلم لأنك باختصار فقدت الحسنيين فلم تصعد معهم لسطح القمر فخسرت ما نسميه أمور الدنيا الحديثة وفي نفس الوقت لم تتدارس معنا القرآن ففاتك الكثير من أمور دنياك وآخرتك .
قد تكون للقصة دلالة واضحة على أولائك الذين يدسون أنوفهم في كل شيء فقهوا فيه أم جهلوا غير عابئين بتوابع ذلك التنطع الغير مفيد بل وفي معظم الأحيان يكون له مردود سيء ليس على مستوى الشخص بل على مستوى المجتمع الذي يعيش فيه مثل ذاك الشخص ( الفتاء ) ، فهو لا يألوا جهداً في تفسير كل ما يقابله ( على حسب فهمه بالطبع ) غير مدرك ما قد يترتب على تلك الأطروحات الفكرية وتلك التفكيرات ( الجهبزية) التي قد يتزايد تكرارها بشكل مضطرب حتى تتحول لإشاعة قد تُحدث مردود سيء في المجتمع .
ومن تلك الأمثلة ممارسة البعض لدور الخبير في كل شيء أيضا فهو يجلس أمام ما يسمى ( الفيس بوك ) فتُخيل له نفسه أنه ومع الاطلاع على بعض ( البوستات ) المغرضة أو الكاذبة أو حتى الموجهة تحول فجأة لخبير إستراتيجي يدلي بدلوه ويقوم بتمرير تلك الأكاذيب بعد أن يضع عليها بعض ( البهارات) التي تمنح الكذبة مستوى انتشار أوسع وهو غير مدرك أنه يرتكب جريمة فلا هو كان عوناً في الإصلاح ، ولا هو أوقف تلك الكذبة أو الإشاعة عنده بل أدلى بدلوه ليجعل لها مذاقاً مميزاً.
يا أخي العزيز أنت في موقفك هذا تركت الحسنيين ، فلا أنت بحثت عن علم ينفع ترتقي به لنفسك ولوطنك ، ولا أنت تركت من يُصلح يقوم بدوره على أكمل وجه بل كنت معولا تقوم على هدم ما يبنيه غيرك في الوقت الذي اتخذت من الحذلقة طريقاً لحياة لا قيمة لها ، فلو أنك اتجهت بفكرك أو حتى بمجهودك البدني في صنع ما يكون فيه نفع خاص أو عام لكان أفضل لك ولارتقيت بمكانتك المجتمعية فأصبحت إضافة للمجتمع بدلاً من تقمص دور المصلح والمتفيهق الذي يُظهر معايب المجتمع في الوقت الذي يراك الغير تأتي بكل رزيلة .
عزيزي القارئ كم هو جميل أن تعمل ما في وسعك من إصلاح في مجتمعك شريطة أن تكون أنت متصالحاً مع نفسك بمعنى أن تكون أنت أهل لهذا الإصلاح لأنك بدأت بنفسك ، ومن الجميل أيضاً أن توجه الغير وتعطي خبرتك لهم شريطة أن تكون ملم بما تقول ولا تتحول كمن ( ينعق بما لا يسمع ) أما مجرد أن تدلوا بدلوك وتضع أنفك في كل شيء لمجرد الظهور على السطح فأنت تمثل بطل قصتنا الذي لم يصعد لسطح القمر ولم يجلس في كُتاب المعلم ليتدارس القرآن ففاته الكثير .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة