أُضطررت للسفر ذات يوم بالحافلة , تلك المواصلة العامة السخيفة التي ترهقني و غيري من المسافرين , صعدت سُلّم " الأتوبيس " العتيق , لأجد رطوبة خانقة , عتمة تشمل المكان , تتراص الكراسي على الجانبين وبينهما مسافة تسع مرور شخص مواربة بالكاد ,
كانت جميعها مشغولة بأصحابها , هناك خلف السائق وجدت " كرسي " خال , يجلس على المجاور له كهل , ألقيت تحية سريعة لا تحمل ودّا طبيعيا , ثم شرعت بالجلوس , لكنني وجدت " أجندة " أو ما نطلق عليها كشكولاً للمحاضرات , من تلك التي كنّا نحملها أثناء الدراسة الجامعية , كانت موضوعة على الكرسي الفارغ, سألت الجار : أهي لك ؟ هل يمكنني الجلوس؟
قال : أحدهم وضعها قبيل فترة من صعودك , صاح بالموجودين هنا : قد حجزت هذا المكان , فلا يقترب منه أحد , ثم هبط سريعا .
لكن الحافلة تحرّكت ! لم يأت صاحبها , والمكان فارغ , ثم علا صوتي : لا يحق شغله بهذه الطريقة بينما آخر واقف , " كنت أقصد نفسي بهذا الحديث " .
قال الرجل بضجر : تلك مشكلتك , تحدّث بشأنها مع السائق أو محصّل التذاكر ..
سأفعل " بغضب ظاهري من الموقف و الرجل "
غير بعيد كان السائق ومساعده ينصتان بدون اكتراث للحديث , ندّت عن أحدهما عبارة مقتضبة : ذاك أمر يحدث كل رحلة , عليك أن تزيح " الأجندة " جانباً , اجلس دون جلبة , وجدتها إشارة لإنهاء الجدل , من فوري حملت " الأجندة " لأضعها برف علوي يحمل أمتعة المسافرين .
بطرف عين لمحت بعض من المكتوب عليها , خط أعرفه جيدا أو أزعم أنيّ رأيته منذ سنوات , تصفّحتها بحب استطلاع وتجاوز لا يليق , في غفلة من الجميع , كانت تتضمن محاضرات دراسية بنهاية كل منها توقيع صاحبها وتأريخ للمكان والوقت والزمان , ثم حواشي وهوامش بعضها غامض وأخرى طريفة تحمل نزق الشباب .
كانت ممتلئة عن آخرها عدا وريقات بنهايتها , بأسفل كلُّ منها من ناحية اليسار توقيع صاحبها دون تاريخ . أغلقتها , قد علت وجهي بسمة ساخرة , مسحت على غلافها الكحلي السميك , فإذا باسمي مدوّن عليها .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة