سهيلة فوزى

العريس المنتظر

الجمعة، 09 مارس 2018 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التفتت إليه متمتمة بكلمات لم يفسر أغلبها. قطعت شروده العميق للحظة. فهم من حركة يدها أنها تشير إليه بالجلوس فى المقعد الخالى، نظر إليها بوجه سكنته ابتسامة حانية، وألح عليها أن تجلس هى. ربما بدا لها رجلا مسنا أحق بالمقعد منها، عاد إلى عالمه من جديد. ابتسم. تسلل إليه شعورا بالفخر لأنه رفض دعوة الفتاة، فأثبت لنفسه ولها وربما للركاب أيضا أنه مازال شابا، بالرغم من مظهره الذى يبدو على العكس. ابتسم وهمس محدثا نفسه:  اللعنة على تلك الرأس التى هرب الشعر منها مبكرا فأضافت عمرا على عمرى.
 
لم يكن محقا فليست رأسه الصلعاء هى التى جعلته يبدو رجلا مسنا يستحق شفقة الفتاة الصغيرة، لكنها تلك الشعيرات البيضاء التى تسللت إلى لحيته فكانت عاملا أكثر حسما فى جعله يبدو كرجلا يتخطى الخمسين بسنوات بينما هو فى الحقيقة لم يتمها بعد، ورغم ذلك فشلا كليهما -اللحية البيضاء والرأس الصلعاء- فى محو آثار تلك الوسامة الراسية بهدوء على ضفاف بشرة سمراء توحى بجذور ضربت منذ عهد الأجداد فى أعماق الجنوب.
  
عاد إلى شروده بعد أن جلست الفتاة. يد تمسك بالمقبض الحديدية المثبتة فى المقعد الواقف بجواره، ويده الأخرى تقبض على استمارة تجديد بطاقة الرقم القومى عاد لنفسه من جديد متحدثا:
 
 "لماذا لم أصمت؟.. لو لم أتورط فى الرد على استفزازه المرة السابقة، ربما كنت انتهيت، ولم اضطر إلى العودة إليه مجددا بنظارته السميكة وأسنانه الصفراء، ورائحة السجائر الرخيصة التى تصاحب أنفاسه وتحلق مع كل حرف يخرج من فمه."
 
رتب أوراقه رسم على وجهه ابتسامة زائفة ربما تفلح فى طى صفحة مشاجرة المرة السابقة مع موظف السجل المدنى الذى أرهقه بطلبات ثار بسببها عليه المرة السابقة لأنه لم يحددها كلها فى المرة الأولى التى جاء فيها.
 
 قرأ فاتحة الكتاب سرا راجيا الله أن تفتح له الأبواب الموصدة، وينتهى اليوم ولا يضطر للعودة لمرة رابعة.
 
مازال منتظرا دوره فى صف طويل حتى يحين دوره ويصل إلى الموظف المختص. شرد من جديد اندهش أن خياله لم يذهب به إلى تخيل لقائه بالموظف الذى ربما يعرقل الأمر هذه المرة انتقاما منه.
 
تذكر حلقة تليفزيونية شاهدها بالأمس مجاملة لزوجته فى محاولة منه أن يلعب دور زوج مثالى يشارك زوجته اهتماماتها. جلس بنصف عقل يشاهد ما يدور أمامه والنصف الآخر يفكر فى مهمة تجديد البطاقة التى تنتظره فى الغد. 
تذكر رب الأسرة الذى داهمه شاب وتقدم لطلب ابنته للزواج، فجأة ساد الارتباك حياة البيت الهادئ فالأب لا يملك المال الكافى لتجهيز الابنة للزواج. 
 
عاد إلى السجل المدنى. وصل إلى الموظف، فاجأه الموظف بابتسامة مرحبة على غير المتوقع. راجع الأوارق وأكد أن كله تمام. 
 
 فى طريق عودته تساءل: هل يأتى يوما ولا أستطيع تدبر تكاليف زواج ابنتى. يوما ما سيطرق بابى من يطلب يدها، وترتضيه لنفسها زوجا. ربما تفاجئنى أزمة قلب جديدة قبل أن ياتى الزوج المنتظر.. من سيزوج ابنتى إن قتلتنى الأزمة؟.. فررت من الموت مرة من قبل. ربما تكون فى الثانية نهايتى؟ 
 
فى طريق عودته مر بمحل تتصدر واجهته إعلان عن تخفيضات هائلة. دخل فوجد سيدة خمن أنها فى نفس عمره تقريبا، لكنها تبدو أصغر وأكثر حيوية منه. جلست وأمامها أطباق وأكواب مختلفة الأحجام. تقلب فيهم يمينا ويسارا باحثة عن عيب أو خدش.
 
 انتهت السيدة من مهمتها، مال عليها وسألها ماذا تفعل قالت له أشترى طقم صينى لجهاز ابنتى فبادرها مباركا: ألف مبروك.. ابتسمت السيدة وردت عليه التهنئة: الله يبارك فيك. 
 
 بعدها دخلت السيدة فى جولة جديدة من الفصال مع البائع إنزعج وصاح بها أن مرحلة الفصال قد انتهت بمجرد أن طلبت فرز الطقم مؤكدا لها: نحن الأن فى مرحلة الدفع لا الفصال.
 
 حاولت السيدة تخفيض السعر من جديد، وأمام إصرار البائع نهضت معترضة وقالت: مايلزمنيش.. خليهولك.
 
نظر البائع إلى الطقم المبعثر أمامه خارج صندوقه، واشتبك مع السيدة فى فيضان هادر من السُباب المتبادل، لولا تدخله لوصل الأمر للتشابك بالأيدى صائحا: سأشتريه أنا.. ثم سأل البائع أليس هذا الطقم مهم فى جهاز العروسة. 
 
-طبعا يا أستاذ ده أهم حاجة فى الجهاز.
 
حمله. خرج مبتهجا. كأن ابنته التى لم تكمل عامها الخامس عشر ستتزوج غدا، مرددا لنفسه: سأبدأ من اليوم حتى لا تحتاج إلى أحد إذا جاء الأجل قبل العريس المنتظر.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة