تقدم مملكة البحرين نموذجًا تنمويًا رائدًا يولى اهتمامًا خاصًا بالمرأة ومكانتها، ليس فقط لما تمثله من قوة عددية، حيث تقرب البحرينيات من نصف المجتمع فعليًا، وتصل نسبتهن بمجموع سكان البلاد من المواطنين إلى نحو 49.3%، وإنما بسبب الأدوار التى باتت تقوم بها، وحجم المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقها، سواء داخل الأسرة أو فى شتى جنبات المجتمع ومفاصل مؤسساته.
لذا لا يبدو مستغربًا أن تبلغ نسبة الموظفات البحرينيات عام 2017 فى القطاع العام 48%، و37% فى المناصب الإدارية العليا، و59% فى المناصب الإدارية الوسطى، حسبما تؤكد إحصائيات رسمية متفرقة، كما بلغت نسبتهن فى الوظائف الإشرافية التى يتولينها فى السلطة التنفيذية عمومًا 32%، وكان لهذا الأمر أثره المهم فى انخفاض نسبة البطالة بين النساء فى البحرين من 3.6% عام 2013 إلى 2.7% عام 2015.
ولا يقتصر تنامى دور البحرينية فى القطاع الحكومى فحسب، وإنما نجحت فى تثبيت تواجدها وحضورها فى مختلف المواقع، الفردية منها والأهلية، حيث ارتفعت نسبة مساهمتها فى مجالس إدارة الشركات الخاصة من أقل من 12.5% عام 2010 إلى 13.76% عام 2013، وبلغت نسبة الموظفات البحرينيات فى القطاع الخاص 32%، فيما بلغت نسبة رائدات الأعمال من أصل مجموع رواد الأعمال فى البلاد 38%، وهو ما كان له عظيم الأثر فى زيادة نسبة تملك المرأة لعدد السجلات التجارية التى وصلت لـ 29% من إجمالى عدد السجلات التجارية فى المملكة.
وحصلت البحرين على المرتبة الأعلى بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مؤشر سيدات الأعمال العاملات لحسابهن الخاص بنسبة 28%، كما شهدت المملكة أكبر زيادة فى عدد الشركات التى تحتوى مجالس إدارتها أعضاء نساء، حيث ارتفعت من 12% عام 2010 إلى 14% عام 2014، بحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية فى سبتمبر 2016.
وامتد دور المرأة ليشمل العديد من مجالات العمل الأخرى، المهنية منها تحديدًا، حيث وصلت نسبة المحاميات البحرينيات إلى 55%، والطبيبات 37%، والمهندسات 25%، وبنسبة 19% من العاملين فى قطاع التليفزيون، و49% فى الإذاعة للعام 2013، وحوالى 35% من إجمالى البحرينيين فى مؤسسات الوساطة المالية، والمعلمات والأكاديميات إلى 74%، فيما بلغ إجمالى عدد الأكاديميات البحرينيات الحاصلات على شهادة الدكتوراه فى مؤسسات التعليم العالى الحكومية والخاصة إلى 132 أكاديمية.
وتجاوز هذا النجاح الحدود ليشمل العديد من الوظائف المهمة عالية المستوى والتأثير، والتى كانت حكرًا إلى حد بعيد على الرجال وحدهم، سيما منها المناصب السياسية والنيابية والقضائية والدبلوماسية والعسكرية أيضًا، حيث بلغت نسبة الوزيرات 18%، ونسبة تمثيلهن فى المجلس النيابى 8%، وبنسبة 22.5% فى مجلس الشورى، وبلغت نسبة الوظائف الإشرافية التى تحتلها المرأة فى السلطة التشريعية عمومًا 15 .%
وارتفع عدد القاضيات البحرينيات عام 2013 ومن فى حكمهن بشكل تدريجى ليصل إلى 21 قاضية وبنسبة زيادة بلغت 11% مقارنة بالعام 2010، وهناك 65 امرأة بحرينية تشغل مناصب دبلوماسية منهن 53 امرأة فى ديوان وزارة الخارجية، و12 امرأة بحرينية تشغلن وظائف دبلوماسية فى عدد من العواصم الأجنبية والخليجية.
كما حصلت المرأة على فرصتها أيضًا فى القطاع العسكرى، وتفوقت فيه أيما تفوق كغيره من القطاعات ومجالات العمل العام والخاص الأخرى، حيث حصلت البحرينية لأول مرة على لقب الركن، وذلك بعد تخرج ضابطتين من الكلية الملكية للقيادة والأركان عام 2009، واجتازت باحثتان قانونيتان لإحدى الدورات العسكرية، وصدر الأمر الملكى السامى بتعيينهما وكيلتين للنيابة العسكرية، وخُصص عام 2014 للاحتفال بإنجازاتها فى هذا المجال العسكرى.
ولا شك أن حجم هذا التطور الكمى والنوعى الذى حققته المرأة البحرينية فى ميادين العمل المختلفة، يرجع للعديد من العوامل والظروف:
أولها: البنية التشريعية والتنظيمية الداعمة للمرأة البحرينية فى المحافل كافة، والتى يأتى من أبرزها ما شهدته الفترة الأخيرة كصدور قانون الأسرة فى المرسوم رقم 19 فى يوليو 2017 الذى توج مجهودات الحركة النسائية البحرينية، وعزز من استقرار الأسرة البحرينية وحقوق أفرادها وبخاصة المرأة، واستحداث مكتب حماية الأسرة فى كل من مديرية شرطة محافظة المحرق ومديرية محافظة العاصمة، وافتتاح مجمع محاكم الأسرة فى 24 يناير 2018 لتعزيز الاستقرار الأسرى فى مملكة البحرين ومراعاة خصوصية القضايا الأسرية وتسريع إجراءاتها، وإطلاق قاعدة بيانات العنف (تكاتف) فى إطار الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة بالتعاون مع وزارة الداخلية.
فضلا عن قرارات وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بشأن لائحة المأذونين والشرعيين وأحكام توثيق المحررات المتعلقة بالأحوال الشخصية، كالقرار رقم (47) لسنة 2016 بشأن تعديل بعض أحكام القرار رقم (84) لسنة 2015 بشأن تشكيل مكتب التوفيق الأسرى وتحديد القواعد والإجراءات اللازمة للقيام بمهام تسوية المنازعات الأسرية، والقرار رقم (48) لسنة 2016 بتعديل نص الفقرة 4 من المادة 9 من القرار رقم (1) لسنة 2016 بشأن لائحة المأذونين الشرعيين وأحكام توثيق المحررات المتعلقة بالأحوال الشخصية وغيرها.
ثانيها: اهتمام الدولة الكبير بالمرأة، وإيلائها الرعاية الكافية فى كل مضامير الحياة، سيما منها فى العملية التعليمية، حيث كان للرعاية الخاصة التى توليها القيادة الرشيدة للمرأة وكل ما من شأنه تحفيزها الأثر فى تنمية ملكات المرأة وروح الإبداع لديها.
ومن أبرز مجالات الاهتمام بهذه الرعاية كان فى العملية التعليمية فى عمومها، وبما ضمن توفير مقعد لكل طالب وطالبة دون تفريق فى الجنس، فضلا عن مستويات التعليم الفائقة التى تمكنت المرأة من التزود بها، وتحقيق نتائج جيدة فيها، وفتح المجال أمامها للعمل فى جميع التخصصات وفق لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين.
بالإضافة إلى إطلاق مبادرات التحفيز والتشجيع المناسبة للمرأة العاملة والمتعلمة كمبادرة امتياز الشرف لرائدة الأعمال البحرينية الشابة فى دورتها الثالثة لدعم الكفاءات الشابة فى مجال ريادة الأعمال وللمساهمة فى تشجيع المرأة البحرينية على الإبداع والتميز والمشاركة بشكل فاعل ومؤثر فى تنمية الاقتصاد الوطنى، وغيرها.
والمعروف أن نسبة تعليم الإناث البحرينيات وصلت إلى 50% فى المرحلة الابتدائية، وبنسبة 60 % فى مرحلة التعليم الثانوى، وبنسبة 61% فى مرحلة التعليم العالى من إجمالى عدد طلاب كل مرحلة، الأمر الذى يفسر إلى حد كبير هذا النجاح الذى حققته المرأة البحرينية فى العديد من المواقع، وقدرتها على المساهمة بجانب الرجل فى النشاط الإنتاجى والاقتصادى للدولة، وفى مؤسسات القطاع الخاص والأهلية على السواء، وهو ما ضمن لها توظيف مهاراتها وتطوير خبراتها، فضلًا عن توسيع هامش خيارات الحركة والعمل أمامها، ومن ثم رفع مستوى معيشتها وافراد أسرتها.
ثالثها: صدور الأمر السامى رقم (44) بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة عام 2001، الذى قام منذ انطلاقة باكورة أعماله الأولى بدور كبير ومؤثر فى تطوير مسيرة المرأة البحرينية، وتعزيز مشاركاتها فى مفاصل المجتمع.
وعمل المجلس وفق استراتيجية طويلة المدى لوضع آليات مناسبة لزيادة مؤشرات تمكين هذا المورد المهم من الموارد الوطنية، ونجحت خططه وبرامجه الوطنية للنهوض بإمكانات وفرص المرأة البحرينية، وإدماج احتياجاتها فى برامج التنمية، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص بينها وبين الرجل، وتحقيق المساواة بينهما فى القطاعات كافة.
بدا ذلك واضحا بالنظر للعديد من الجهود التى بلورها المجلس الأعلى للمرأة بتوجيهات سديدة من صاحبة السمو الملكى الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد رئيسة المجلس وبرعاية كريمة من القيادة الرشيدة، حيث يمكن الإشارة إلى نجاح المجلس فى بناء شبكة علاقات وثيقة وفاعلة مع المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية ذات الصلة بالمرأة، ودوره فى تعزيز مكانته كبيت خبرة إقليمى فى كل ما يتعلق بقضايا تمكين المرأة.
وأطلق المجلس الأعلى للمرأة خلال السنوات الماضية العديد من المبادرات على مختلف الأصعدة الخاصة بالمرأة، وأقام العديد من الأنشطة والفعاليات بحضور إقليمى وعربى رفيع المستوى، بل وشارك بشكل فاعل فى عدد من الفعاليات الإقليمية والدولية ذات الصلة.
ومن ذلك إطلاق الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية 2013-2022، والتى تستهدف تمكين المرأة من أداء دورها فى الحياة العامة وإدماج جهودها فى برامج التنمية الشاملة مع مراعاة عدم التمييز ضدها، وإطلاق النموذج الوطنى لإدماج احتياجات المرأة البحرينية فى مسار التنمية عام 2010 كآلية بحرينية رائدة على مستوى الوطن العربى لتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص.
فضلا عن إطلاق برنامج التمكين السياسى الذى بدأ منذ الاستعداد للمشاركة فى انتخابات عام 2002، وأسهم فى زيادة نسبة مشاركة المرأة فى الانتخابات إلى 48%، وقد تم إطلاق النسخة الحالية منه، وهى الـ 5، للفترة من 2016 ـ 2018، كما تم تدشين برنامج عمل متكامل للتهيئة الانتخابية للمرأة البحرينية فى منتصف يناير 2018 الماضى استعدادا لخوض الانتخابات النيابية والبلدية القادمة.
يضاف إلى ذلك أن البحرين تبنت الاستراتيجية الوطنية لحماية المرأة من العنف الأسرى التى أطلقت فى نوفمبر 2015، وتعد المملكة من الدول القليلة التى أطلقت ومنذ العام 2008 لمبادرة "يوم المرأة البحرينية"، وذلك للاحتفال فى الأول من ديسمبر من كل عام ببدء التعليم النظامى للمرأة منذ نحو 90 عاما، وهو اليوم الذى يجسد حقيقة تجربة المرأة البحرينية ونجاحاتها، ومدى الاهتمام الذى توليه أجهزة الدولة لها، والآليات المتاحة لدعم مقومات الشراكة المتكافئة بينها وبين الرجل فى جميع المجالات.
ويكتسب هذا اليوم أهميته لأكثر من سبب، فهو من جهة اُعتبر فرصة مناسبة لتسليط الضوء على تميز المرأة فى مختلف المجالات، كما أنه من جهة أخرى عزز من مكانة المرأة الفعلية فى شتى جنبات ومفاصل المجتمع.
وقد تم الاحتفاء بالأدوار التى قامت بها المرأة البحرينية فى سبيل رفعة وطنها وبإنجازاتها فى العديد من القطاعات، بدأ ذلك فى مجال التعليم عام 2008 والصحة 2009 والعمل التطوعى 2010، وانتهى أعوام 2014 و2015 و2016 و2017 بعطاءات المرأة فى العمل العسكرى والقطاع المالى والمصرفى والمجال القانونى والعدلى والهندسى، ومر ذلك بالطبع بمشاركات المرأة وإسهاماتها فى الاقتصاد والرياضة والإعلام أعوام 2011 و2012 و2013 على التوالى، ثم العمل التشريعى والبلدى لهذا العام 2018.
ولقد كان لهذه المبادرات المهمة فى مجال تمكين المرأة البحرينية أثرها الكبير فى المكانة التى احتلتها البحرين عربيًا وعالميًا باعتبارها من الدول الرائدات فى رعاية الحقوق النسوية عموما ومعالجة الفجوة الجندرية بشكل خاص، حيث يشار ـ مثلًا لا حصرًا ـ إلى قيام جامعة الدول العربية مطلع عام 2017 بمنح قلادة المرأة العربية لقرينة عاهل البلاد رئيسة المجلس الأعلى للمرأة صاحبة السمو الملكى الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة؛ تقديرًا لمساهمات سموها الجليلة وجهودها الحثيثة والمؤثرة فى دعم الحراك المؤسسى لنهوض المرأة العربية واستمرار تقدمها.
كما يشار إلى استضافة المملكة لاجتماعات الدورة الــ 36 للجنة المرأة العربية بجامعة الدول العربية، التى عقدت يومى 6 و7 فبراير 2017، وترؤسها للاجتماع التحضيرى للدورة الـ 61 للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة على المستوى الإقليمى، وإشهار المنامة كعاصمة للمرأة العربية عام 2017، وافتتاح المكتب التمثيلى لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالبحرين، وإطلاق جائزة الأميرة سبيكة العالمية لتمكين المرأة من مقر الأمم المتحدة بنيويورك فى مارس 2017 بعد نجاح تطبيقها على المستوى الوطنى خلال 10 سنوات مضت.
المعروف أن هذه الجائزة أطلقت عام 2006، وشارك فيها فى وقتها 30 جهة زادت عام 2016 إلى 77 جهة بنسبة زيادة وصلت لـ 123%، ما يؤكد أثر الجائزة فى رفع وعى ثقافة المؤسسات وتوجهها نحو تبنى منهجيات إدماج احتياجات المرأة فى التنمية وتكافؤ الفرص فى البلاد، الأمر الذى كان بمثابة الدافع لتطوير هذه الجائزة ونقلها للمستوى الدولى فى احتفال كبير شهدته أروقة الأمم المتحدة بالولايات المتحدة الأمريكية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة