سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 19مارس 1932.. مقتل مأمور قسم البدارى.. والزغاريد تشق الفضاء والأهالى يتبادلون التهانى

الإثنين، 19 مارس 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 19مارس 1932.. مقتل مأمور قسم البدارى.. والزغاريد تشق الفضاء والأهالى يتبادلون التهانى إسماعيل صدقى باشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهب يوسف أفندى الشافعى مأمور مركز البدارى بمحافظة أسيوط إلى زيارة صديقه فهيم أفندى ناصف مهندس الرى، وخرج الرجلان معا، وسارا يتجاذبان أطراف الحديث إلى أن بلغا دار المدرسة الابتدائية بالبدارى، فما كادا يقتربان من بابها حتى سمع الناس دوى إطلاق الرصاص مساء 19 مارس «مثل هذا اليوم 1932»، حسبما يؤكد صبرى أبوالمجد فى كتابه «ما قبل الثورة» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة».
 
سقط المأمور جثة هامدة، وحسب حديث القاتل «أحمد جعيدى» لأبوالمجد: «أطلقت رصاصة إلى قلبه، وأنا أقول له: خدها يا ظالم، وأصيب هو، والمهندس صديقه، وذهبنا - هو وصديقه حسن عاشور الشهير بحسونة - إليه لنتأكد من موته، أشفقنا على المهندس فتركناه حيا لأنه لم يكن له ذنب، واتجه كل منا إلى بيته، اغتسلنا، جلس كل منا يتناول عشاءه فى هدوء»، ويؤكد صلاح عيسى فى كتابه «حكاية من دفتر الوطن» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «كانا ما يزالان حول طبلية العشاء، حين اندلعت الزغاريد تشق أجواء الفضاء من كل بيوت «البدارى»، وحين خرجا يستطلعان الخبر، كان الناس يتبادلون التهانى وكل منهم يقول للآخر: مبروك «الشافعى أفندى قتل».
 
لم يكن الحدث مجرد جريمة قتل عادية، فوفقا لعيسى: «فهمت الدولة معنى الرصاصات التى أطلقت على مأمور البدارى والزغاريد التى انطلقت فى شوارع المدينة عقب شيوع الخبر، فهما صحيحا، فالرصاصات تتوجه إليها، والقتيل هو «النظام» وليس يوسف الشافعى، والزغاريد تلعلع تشفيا فيها، وتحذيرا لها، وأدرك النظام أن صمته على ما حدث فى «البدارى» هو دعوة لكى يقاوم الناس بالبارود، فقرر أن يرد اللطمة».
 
كان «إسماعيل صدقى» هو رئيس الوزراء بعد استقالة وزارة مصطفى النحاس عام 1930، وأقدم على إلغاء دستور 1923، وإعداد دستور جديد المعروف تاريخيا بـ«دستور 1930»، ويذكر «عيسى»: «أطلق صدقى يد الإدارة لتبطش بخصومه، فتخطت العنف الفردى إلى العقوبات الجماعية، ولم تقصر بطشها على الخصوم السياسيين، بل تعدتهم إلى المواطنين الذين لا علاقة لهم بالسياسة، ولا دور لهم بالمعارضة».. وفى هذا السياق وقعت «جريمة البدارى» التى يحفظها التاريخ كشاهد على بطش صدقى، وعظمة محكمة النقض برئاسة عبدالعزيز فهمى باشا التى قضت بأن هناك تشددا فى الحكم ضد المتهمين فى القضية، حيث حكمت «جنايات أسيوط» بإعدام «أحمد جعيدى عبدالحق»، ومعاقبة «حسن أحمد» الشهير بـ«حسونة» بالأشغال الشاقة، وخرج موقف «النقض» من حيز القضاء إلى فضاء السياسة، فهاجت صحف المعارضة، وتقدم نائب باستجواب، واستقال وزير العدل على ماهر باشا، وفتحت هذه التطورات مجال البحث عن:من أين بدأت جريمة قتل المأمور؟
 
يجيب صلاح عيسى، بأن «البدارى» لم يكن لها اهتمام كبير بالسياسة وشئونها وأحوالها، وتوزعت سلطتها المحلية فيها بين الحزبين الكبيرين اللذين يتداولان السلطة آنذاك، فأصبح لها عمدتان، أحدهما يمثل «الأحرار الدستوريين» وينتمى لعائلة «همام»، والآخر يمثل «الوفديين» وينتمى لعائلة «نصار»، ومع ذلك كانت بعيدة إلى حد ما عن الصراع الحزبى المشتعل وقتئذ، غير أنها كانت منفى لأسوأ الموظفين فى الجهاز الحكومى، وحين انتقل إليها البكباشى «العقيد» يوسف الشافعى مأمورا تركا للعمدتين «محمد همام» و«محمد نصار» متابعة الشؤون المدنية التى تتعلق بالأهالى بعد أن كفا عن المنافسة الحزبية، واختص هو بكل ما يتعلق بالأمور الجنائية.
 
يذكر «أبوالمجد»: «كانت كلمة المأمور نافذة فى مديرية أسيوط كلها، لا يهتم بأى قانون وعرف، بل كان يتباهى بأنه يتحدى سلطة النيابة»، ويؤكد عيسى: «كان حريصا على أن يبدو أمام الجميع نموذجا للحاكم المخيف الذى يرهبه الجميع، ويعملون له ألف حساب، ويعترفون بأنه السلطة الوحيدة فى البندر والمركز، أما «أحمد جعيدى» فهو حسب عيسى: «أفندى متعلم، قضى عامين بأسيوط، حريصا على مظهره، يتنقل من المقاهى والغرز، تلتف حوله شلة أصدقاء الفراغ والشباب، كان أقربهم إليه «حسن عاشور» أو «حسونة».
 
بالطبع فإن سلوك «جعيدى» وأصحابه كان يلفت نظر «المأمور» فهم «شلة أفندية عاطلين» بوصف عيسى، فى نفس الوقت الذى تذكر فيه العمدة محمد همام أنه على خلافات قديمة مع عائلة «عبدالحق» التى منها «جعيدى»، فقام بدس اسم «أحمد جعيدى» وصديقه «حسن عاشور» بين الذين يرشحهم للخضوع لقانون المشبوهين والمتشردين باعتبارهما عاطلين وبلا عمل معروف، وكان عدد الموجودين فى القائمة 36 شخصا، يتم مراقبتهم يوميا من الشرطة، ومن حق المأمور أن يحتجزهم ويقبض عليهم فى حال وقوع أى جريمة فى المدينة، وبالفعل سيقا «جعيدى» و«حسونة» أكثر من مرة إلى مبنى المركز، حيث انهال عليهما العساكر ضربا بمؤخرات البنادق والسياط وحبسا فى اسطبل الخيل، ويؤكد عيسى أن النيابة تواطأت فى هذا الأمر، فحين تقدم «جعيدى» بشكوى إلى وكيل نيابة البدارى «حسنى زيان»، وكان خطيب ابنة المأمور بطلب لرفع اسمه من قوائم المشبوهين، لم تهتم النيابة، فقرر أن يثأر لكرامته المهدرة، وأقدم مع صديقه «حسونة» على الجريمة يوم 19 مارس، وكان لها صداها فى اليوم التالى.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

ebrahim

طيب نعلق نقول ايه ؟

طيب نعلق نقول ايه ؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة