قال الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية "إن اختلاف العلماء رحمة بالأمة، وهو ظاهرة إيجابية؛ لأن هذا الاختلافَ الفقهى له ما يُبرره شرعًا وعقلًا".
جاءَ ذلك فى حواره الأسبوعى فى برنامج "مع المفتى" المُذاع على "قناة الناس"، مؤكدا أن تغيُّر الحكم وفْقًا للبيئات والأحوال والأزمنة والأمكنة أمر مُسلَّم به ومتفق عليه؛ لأنه يحقق مصالح الناس، وهو أمر موجود ومتعارف عليه منذ عهد النبى صلى الله عليه وسلم، فبعد هجرته الشريفة إلى المدينة نزلت تشريعات جديدة لم تكن موجودة فى العهد المكى لتُنظِّمَ حياةَ الناس وتضبط بعض المعاملات التى شابها الغرر والجهالة؛ فنزلتْ ضوابطُ شرعيةٌ لبعض المعاملات كَعقدِ السَّلَم وبَيْع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحِه وغيرهما، ثم سار الفقهاء أيضًا على هذا النهج من بعد النبى صلى الله عليه وسلم تحقيقًا لمصالح الناس؛ فوضعوا ضوابطَ فى مسألة "تضمين الصُنَّاع" وغيرها عندما تغيَّرت الذِّممُ والأحوال؛ لأن الشريعةَ قائمة على التيسير ورعاية مصالح الناس، فالمصلحةُ هى أساسٌ للفتوى نتيجةَ الظواهر التى حَدَثتْ؛ وهذا من سماحة الشريعة ورحابتها.
وأوضح المفتى أن زواجَ القاصرات كان مناسبًا لمرحلةٍ سابقةٍ ومحققًا لبعضِ المصالح فى الزمن الأول بما يناسبُ بيئتَهم وأحوالَهم، أما الآن فلا؛ فقد اختلفتِ الأحوالُ.
ولَفَتَ فضيلته النظر إلى أن هذا الزواج قد منعه بعض أهل العلم من التابعين كالإمام ابن شُبرمة والإمام الأصم؛ فقالا ببطلانه، وقولهما يقوى القولَ بمنعه الآن؛ لأنه يجوز الأخذ بأى قول مُعتبر من أقوال أهل العلم بما يحقِّق المصلحةَ ووَفْقًا للاختيار الفقهى المنضبط، وهو تمامًا ما حدث فى الأخذ بمسألة "الوصية الواجبة" فى مصرَ منذ أكثر من 50 سنة، وهى تجربة فريدة بلا شك.
وعن حكمِ زواج القاصرات أكد المفتى أنه مع منع زواج الصغار أخذًا بقول ابن شُبرمة والأصم.
وحتى على رأى جمهور الفقهاء، فإنه لم يقل أحدٌ منهم بوجوبه أو بندبه، بل لا يتعدى كونه مباحًا من وجهة نظرهم، ويكون من حق ولى الأمر فى هذه الحالة أن يقيِّدَ هذا المباحَ، ما دام قد ثبت ضرره بشهادة أهل الاختصاص، ثم إن اختيار ولى الأمر لقولٍ من أقوال أهل العلم يكون رافعًا للخلاف كما قرره العلماء.
فهذا كله يؤكِّد أن القول بالمنع مُسْتنِد إلى الاختيار الفقهى المنضبط لقول من أقوال أهل العلم، فضلًا عن الواقع المجتمعى والقواعد الفقهية الضابطة له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة