يسير مراد هائما على وجهه بملابس ممزقة يحمل جرس نحاسى اللون متوسط الحجم يصدر رنينا عاليا يمسكه بطريقة محترفة معلنا بدء المزاد دائما فى محطة القطار بالأقصر .
ثلاثينى العمر قمحى البشرة التى تميل للسواد لظروف معيشته الصعبة ذو شعر طويل نسبيا قد تعتقد أنه من مجاذيب المحطة كما يسمونهم لشدة ارتباطه بالمحطة فقد عاش ما يقرب من عشر سنوات فى هذه المحطة يحمل هذا الجرس .
يبدو سعيدا للغاية عندما يتجمع الناس حوله للفضول بما يقوله وهيئته وخصوصا الجرس الذى يمسكه والذى يتشابه رنينه مع جرس المحطة مما جعل هناك مشاكل دائمة مع سائقى القطارات حيث يسبب الكثير من الارتباك باصدراه هذا الصوت الشبيه بجرس القطار فكانت تتوقف أحيانا بلا داعي.
يجلس مراد أحيانا بجوار مسجد مشهور بالأقصر يسمى أبو الحجاج الشهير بالكرامات، حيث يحكى أنه فى مرة من المرات أنقذ سائحة قبل أن يصدمها القطار بحركة سريعة للغاية كأنه إنسان خارق للطبيعة وشكرته السائحة ولم تكن تعرف أنه صاحب الصور المنتشرة وعندما قالوا لها إنه الحجاج ذُهلت و كاد أن يصيبها الجنون .
ومراد يقال أنه تعرض لأزمة نفسية شديدة عندما تم بيع كل ممتلكات والده فى المزاد لتسديد القروض الكبيرة التى تراكمت بفوائدها بعد الخسائر التى تعرض لها وتوفى بأزمة قلبية أثناء المزاد وتركته أمه وتزوجت صديق زوجها شوكت وسافرت معه لأوروبا لا يعلم أين ذهبت وتركته يتحمل التركة الثقيلة مع والده وعندما توفى والده اشترى الجرس المخصص للمزادات وفقد عقله فأصبح بهذه الهيئة وصار رافضا للمجتمع يشعر بالظلم والوحدة ودائما ينظر للسماء حتى فى درجات الحرارة الملتهبة فى صيف يوليو فى سماء الأقصر.
تسبب فى العديد من المشاكل مع الركاب بهذه الطريقة مناديا على المزاد واحد اثنان ثلاثة ويصرخ فى الجميع مين هيزود مين هيزود ويضحك البعض والبعض الآخر يتمتم بكلمات غير واضحة مشفقا عليه من المعاناة التى يعانيها.
فى إحدى المرات أعجبت به فتاة سائحة ألمانية كانت فى زيارة أثرية لمدينة الأقصر وجدت فى ملامحه تشابه كبير مع تمثال حورمحب الشهير، حيث وجدته ينظر لها بجوار جامع أبو الحجاج وكانت قد سمعت عن قصة هذا الجامع وكراماته التى يتحدث عنها الجميع هنا فى الأقصر. ذهلت من هذا الشبه الكبير وقامت بتوثيق صورته بصورة واضحة جدا التقطتها بكاميرا رقمية دون أن يدرى. وعندما عادت للفندق فتحت الحاسب الشخصى ووضعت الصورتين بجوار بعضهما وقامت بنشر بحث بعنوان. (التاريخ يعود من جديد المصريون القدماء يبهروننا دائما)، وكتبت المقال الذى نشرته مجلة أثرية عالمية تهتم بالثقافة والتاريخ وتم نشر صورة مراد بجوار التمثال على الإنترنت. فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى بهذه الصورة والكل فى مصر، أصبح يبحث عن صاحب الجرس الذى إختفى تماما وكأن الأرض إنشقت وبلعته كما يقولون .
الفتاة الألمانية ذهبت إلى المحطة تبحث عنه ويرافقها صديقها أحمد المرشد السياحى الألمانى وجابوا مصر طولا وعرضا من كنائس ومساجد ومعابد وأماكن مزدحمة فهو لا يطيق الفراغ أو الأماكن المنعزلة حتى عثروا عليه أمام أحد المساجد بمنطقة خان الخليلى الساحرة، حيث عبق التاريخ يداعب ذكريات الماضى والحاضر ووجدوه ممسكا بالجرس وخاطبا فى الجميع كما كان يفعل دائما ولكن لقد تغير الأمر تماما وهو لا يعلم وحاولوا شرح الموضوع وقصة الصورة والشهرة التى حظى بها صاحب الجرس ولكنه لم يستوعب الأمر فاقترح أحمد أن يقوما بعلاجه نفسيا أولا قبل أن يقوما بشرح هذا الشبه وكيف يمكن أن تغير هذه الصورة حياته، وبالفعل بعد علاجه تغيرت حياته تماما لتشابه صورته مع أحد التماثيل المنحوتة بالأقصر على أحد الأعمدة الكبيرة، وتغير حاله تماما وتغيرت هيئته بملابس نظيفة وملامح مصرية أصيلة، وأصبح صاحب الجرس يملأ الدنيا بندوات ومؤتمرات صحفية حتى أصبح سفيرا للحضارة المصرية فى كل أنحاء العالم بعد أن كان يوما ما من الصعاليك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة