أكرم القصاص

الغاز المصرى على خريطة صراع النفوذ والمصالح

الخميس، 22 فبراير 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الرئيس الفرنسى شارل ديجول، نظر إلى وزير خارجيته وهو يضع خريطة فرنسا خلفه، قال له «السياسة لا تجرى هنا فقط، لكنها تجرى هنا وهناك.. وأشار إلى خريطة العالم». هكذا السياسة عموما، لاتتعلق بحدود الدولة أو الإقليم لكنها تفاعل مستمر بين عناصر القوة والنفوذ والتنافس. لهذا يحتاج أى متابع للسياسة أن ينظر إلى خرائط إقليمية ودولية تزدحم بالصراعات والتنافس. وتحكمها المصالح المتشابكة والمتقاطعة. نقول هذا بمناسبة ما يجرى حول قضية الغاز فى مصر أو فى المتوسط، ومن بينها صفقة الغاز الإسرائيلى مع شركة خاصة مصرية. والهدف هو الفهم، وليس التبرير أو الهجوم.
 
آخر الموضوعات التى شغلت الناس مؤخرًا كانت موضوع الغاز، وما يدور حوله من صراعات ظاهرة للعيان، وتظهر فى تحركات تركية وإسرائيلية وقبرصية. هناك اكتشافات للغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، بدأت منذ أعلنت مصر اكتشاف حقل ظهر، بعد ترسيم الحدود مع قبرص. تحاول تركيا من جهتها التدخل لتهديد قبرص ودفعت بقطع الأسطول التركى لمنع شركة إينى الإيطالية من التنقيب عن الغاز لصالح قبرص، الأمر الذى أثار غضب قبرص واليونان، وإيطاليا. الأمر الذى ينبئ باحتمالات صدام مع تركيا أردوغان بعد خسارة الرهان على الفوز من الفوضى فى سوريا بالتحالف مع التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة ممثلة فى جبهة النصرة، وعدوانها على عفرين.
 
مصر تعاملت بحسم تجاه حقول الغاز المصرية بالمتوسط، وتحرك الأسطول البحرى المصرى لحمايتها فى إشارة حاسمة، وإجابة على أسئلة طرحها بعض السذج من خبراء الاستراتيجية الفارغة: لماذا تواصل مصر تحديث قواتها المسلحة، الإجابة: ردع أى طرف يحاول الاقتراب من حدود مصر وثرواتها. وهو نفس ما تؤكده العملية «سيناء 2018»، فى مواجهة التنظيمات الإرهابية التى تمثل هى الأخرى أطرافا إقليمية ودولية، وليس مجرد تنظيمات إرهابية محلية.
 
الصراعات الأخيرة حول الغاز والبترول والمياه، تؤكد أن الحدود ليست فقط البرية لكنها المياه الإقليمية وعناصر الأمن القومى فى المياه والطاقة. وبالتالى فإن القوات المسلحة المصرية وتحديثها وتسليحها ليس ترفا، مع الأخذ فى الاعتبار أن الجيش المصرى يحتل مكانة معتبرة بين ترتيب جيوش العالم، وبتكلفة أقل كثيرا من دول تنفق أضعاف ما تنفقه مصر وتأتى بعدها فى ترتيب القوة.
 
وفى هذا السياق، تأتى قضية الغاز الإسرائيلى والاتفاق مع شركة مصرية خاصة لاستيراد الغاز وإعادة تصديره، ومنه تحقق مصر أرباحا ضخمة، وهو نفس الاتجاه الذى يتوقع أن تتعامل معه مصر فى الغاز اللبنانى المحتمل. والبديل أن إسرائيل تصدر الغاز لأوروبا عبر تركيا. الأمر كله تجارى ويتعلق بالمصالح المصرية، خاصة وأن مصر لديها مصنعان لضغط وتسييل الغاز للتصدير، يفترض أنهما عاطلان، ومعنى أن يعملا مزيدا من فرص العمل والأرباح.
 
سياسيًا تركيا وإسرائيل طرفان فى صراعات المنطقة، أردوغان يحاول الهروب للأمام من نتائج تدخلاته فى سوريا والعراق، ورهاناته على داعش أو أطماعه فى سرقة بترول سوريا. وهى رهانات فشلت حتى الآن وهو يسعى لاحتلال جزء من سوريا للحصول على النفط، وهو احتمال تؤكده حربه العدوانية على عفرين. ومحاولاته التحرش بقبرص، وهى محاولات قد تنتهى بحرب تدخل فيها اليونان وإيطاليا كأطراف.وإسرائيل طرف فاعل فى صراعات المنطقة والعالم.
 
وبالتالى فإن تحقيق مصالح اقتصادية لا يعنى انتهاء الصراع والتنافس. وهى أمور معلومة فى السياسة بالضرورة. وحتى العلاقة مع الولايات المتحدة، فهى تتسم بشد وجذب، وتتقارب المصالح المشتركة أحيانًا، وتتقاطع وتتعارض وأحيانًَا أخرى.
 
وكل صراع مغلف بالمصالح الاقتصادية، هناك خلافات داخل أوروبا نفسها، أو داخل حلف الناتو بين أوروبا وأمريكا. ومنافسة اقتصادية بين الصين وأمريكا، والرئيس الأمريكى ترامب الذى دعا أثناء حملته الانتخابية لمواجهة التجارة الصينية، وهذا لم يمنع زيارته للصين وتوقيع اتفاقيات مع أطراف صينية للتنقيب عن النفط فى ألاسكا.
 
وفيما يتعلق بقضية الغاز، بقدر ما بدا الموضوع غامضًا، إلا أن مسارعة الدولة بإعلان الحقائق كان مهمًا لتوضيح تفاصيل قضية تتعلق بالمصالح المباشرة والتنافس الإقليمى والدولى. حيث السياسة تدور على خريطة العالم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة