سالم المراغى يكتب: كارثة بيئية تهدد جزيرة الشورانية

الأحد، 18 فبراير 2018 04:22 م
سالم المراغى يكتب: كارثة بيئية تهدد جزيرة الشورانية الصرف الصحى – صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليومان الماضيان فقدت جزيرتنا الشورانية فى محافظة سوهاج اثنين من خيرة شبابها ورجالها، لم يقضيا فى ميدان أو معركة بل داخل البيت، عندما انهار بهما وعليهما بئر كانا يحفرانه بغرض إنشاء بئر للصرف الصحى بحكم أن القرية لم تدلف بعد للقرن الحادى والعشرين! وما زال كل بيت يعتمد على جهوده فى قضاء أفراد البيت حاجتهم، وصرفهم الصحى أعزكم الله، بعدما كان الناس (قديمًا) يخرجون فى الخلاء الواسع ليلاً لتصريف حاجاتهم وقضائها.
 
الآن دخلت التكنولوجيا والتطور والرفاهية قريتنا من أوسع الأبواب، من حيث البناء، والهندسة المعمارية، والزخرفة، والديكور، والستلايت، والأنترنت ومستلزمات الأفراح وحتى الوفاة، ومحاكاة العولمة فى كل شيء! إلا حكاية الصرف الصحى وقضاء الحاجة تلك التى كتب على أهل قريتنا وجزيرتنا، أن يظلوا رهائن لروائحهم وصرفهم داخل البيت! (مثلنا كمثل البهائم) أعزكم الله أو هكذا أريد بنا وفرض علينا!، رغم أن البهائم يكون مقبولاً منها ومستساغ أو صاحبة حظوة فى ذلك! بسبب الإقبال على روثها (وصباخها) الذى يستخدم كسماد وصالح بيئياً وبالتالى يباع ويدر دخلاً.
 
إلا حكاية صرفنا صرف الإنسان المكلف والذى حول بيوت قريتنا لشيء أخر! بعدما فقدت البيوت التقليدية والصحية صفتها وشكلها الريفى القديم الذى تدخل منه الشمس والهواء، وبالتالى كان كل شيء (بيئياً) على ما يرام، وطبيعى، ولكن ما العمل والبيوت أغلقت أبوابها بالسلاسل؟ وارتفعت واستطالت أدوارها رأسياً، وبالتالى يتم التصريف لأسفل، لباطن الأرض التى نشرب منها، ونزرع وننام فوق أبارها التى تمتلئ بالصرف، على أن مشكلة الصرف ليست وحدها التى تؤرقنا ونغرق فيها، ونتكبد المشاق ونعانى جراء تحويل مجرى نهر الصرف بالوسائل البالية كانت قريتنا فى غنى عنها قبل العولمة.
 
الأن مشكلتنا أفدح بفقد الشباب والرجال جراء الحفر وانهيار الأبار فوق الحفارون، ليس على شاكلة من يبحثون عن الأثار أو المومياوات ممن نقرأ عنهم فى الصحف بل الإنهيار يتم بفعل سقوط البئر الرخو على من هم بداخله بسبب أن الأرض رخوة ورملية فى طبيعتها وليست صخرية وربما وهذا وارد ونقر به بسبب عدم التوعية الكافية لمخاطر الحفر والأخذ بأسباب وآليات وشروط الأمن والسلامة قبل أن يتم الحفر واتخاذ ما يلزم من احتياطات كل ذلك نعرفه ونقر به.
 
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه وبقوة: إلى متى يظل كل فرد وبيت فى قريتنا معلق من عرقوبه أو لنقل جهوده الذاتية، واجتهاده الشخصى لتصريف الصرف الصحى؟ فقريتنا جزيرة وسط النيل، محاصرة من كل جانب، وكأن كل حق نطالب به كأنه ترف لا نستحقه ! فلا كوبرى يربطنا باليابسة، ودائما ما نصطدم بحكاية الميزانية، ونوافق أو نلتمس العذر للدولة حقيقة بسبب أنها فى حالة مخاض، فو الله لو الكوبرى من الناحية المادية والتكاليف لتكاتف أهل قريتنا، ولكن ذلك صعب بل مستحيل، فالمسألة لا تتعلق بمليون أو مليونى جنيه أو خمس أو عشر أو عشرون، لذلك نتسم بالواقعية وإن دغدغ النواب عواطفنا ومشاعرنا كلما حلت الانتخابات بفتح باب الحديث عن عمل كوبرى ومع ذلك تعودنا، أو لنقل تعلمنا أن نغض النظر والحديث فيما بدا أنه ترفاً لا نستحقه أى عمل كوبرى.
 
ولكن فقط نسأل: بالله عليكم هل تخصيص صندوقين أو ثلاثة (زبالة) أعزكم الله هل يعد ترفاً بالنسبة لنا؟ هذا مثال من أمثلة كثيرة، فى الماضى كنا نحرق أو نستخدم الحطب والأخشاب (والجلة) ومنتجات بيئتنا وتحويل روث البهائم حتى كوقود والتخلص منه فى الكانون والفرن، ولكن بالله عليكم هل يمكننا أن نصنع (من فضلاتنا كبشر) وقوداً ونتخلص منه فى الفرن والكانون؟ السؤال الأخر: وهو لا يتعلق بمخلفات وفضلات البشر بل بالمخلفات الأخرى كأكياس البلاستيك والنفايات هل يمكن حرقها فى الفرن والكانون؟ بل يمكننا أن نسأل: هل يوجد الكانون أصلاً أو الفرن التقليدية فى عالم اليوم ما بعد العولمة كى نحرق مخلفاتنا فيها كما كنا؟ أم أن الأفران الكهربائية وما شابه قد غزت قريتنا؟
 
لذلك فالفرق هنا بيننا وبين ما حولنا من قرى ومدن أن القرى أو المدن الأخرى مرتبطة باليابسة وعلى الخريطة، وأجندة المجالس المحلية والبلدية وسيارات جمع القمامة بعكس قريتنا التى كانت تغرق قديماً بمياه الفيضان قبل بناء السد العالى فأصبحت تغرق اليوم بمياه الصرف! 
لذلك أيقظتنا واستصرختنا حادثة فقد أعزاء لنا كانوا يغنون ويحفرون داخل البيت فإذا بالغناء والشدو يتحول لنحيب وصراخ جراء ردمهم أحياء داخل البئر.
 
لذلك فنحن وفى ذروة الألم نلح ونناشد ونستصرخ أن يتم عمل صرف صحى حقيقى يربط جزيرتنا بما حولها من اليابسة حفظاً لكل شيء وأولها البشر والزرع والشجر إذ دائماً ما نجرم ونقرأ من يلقى بنفاياته أو صرفه فى النيل؟ فما بالكم والنيل كله يجرى أسفلنا؟ بل نحن غارقون فيه وأختلط كل شيء، نيلنا، بروثنا، وزرعنا، ومياه الشرب مع الصرف، مع كل شيء، هل نستصرخ اليونسكو مثلاً؟ لا! فنحن ندرك أيضاً أننا لسنا قرية أثرية يعتقد أن بين أحشائها أموات ومومياوات بل نحن وكحقيقة قرية فوقها أحياء نعم ولكن تبتلعهم وتدفنهم الأبار ولا يساوون للأسف شيء فى سعر صرف الآثار! ولسبب بسيط أن قضيتنا ومشكلتنا باتت هى الصرف الصحى ونكرر وبمنتهى الأمانة ودراسة الجدوى المسألة ليست من الصعوبة مثل استحالة عمل كوبرى ففى حالة الصرف الجميع مستعد للجهود الذاتية وربط الأحزمة على مواضع (الصرف)! مع جهود المجلس المحلى وترفق أعضاء مجلس النواب الذين ينتمون لدائرتنا (وقت الانتخابات)! أن يترفقوا بنا كما هو ترفقهم وحرصهم أبان وأثناء الانتخابات ووعودهم البراقة من أنهم سيصلون بنا للمريخ وللفضاء.
 
لا.. لا نريد لا مريخ ولا فضاء، فقط نريد أن نصل للمراغة وصرفها الصحى لا عناداً فيهم بل حماية للنيل نفسه مما تخرجه بطوننا، وأن نتنفس فى بيوتنا هواء نقيا غير معكر فالمفترض رغم أننا جزيرة وواحة خضراء، ولكن الطحالب تنمو داخل بيوتنا جراء أعزكم الله ما تعرفونه أو تقرئون عنه فى الكتب من اختلاط روث البهائم بروث الناس داخل البيت الواحد ولدرجة أنه لم يتبق من أعاجيب الزمان سوى أن نصطاد سمك وقراميط داخل آبار صرف بيوتنا.
 
لا أراكم الله مكروهاً فى بئر صرف داخل بيوتكم.          






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة