يندر فيما بيننا فى ظل هذه الأيام من يحترم الآخر، أو يعترف بحقه فى الاختلاف، فمنطق " من ليس معى فهو ضدى " يزرع الضغينة بين الناس ويفرض الرأى بالقوة، ويجبر الجميع على أن يتحولوا إلى قطيع بلا رأى أو رؤية .
فأين ثقافة الاختلاف؟ تلك الثقافة التى تعنى احترام كل وجهة نظر ورأى مخالف لآرائنا وأفكارنا ومناقشة هذا الاختلاف فى أجواء يسودها الاحترام والهدوء وسعة الصدر، تحت شعار اختلاف الآراء والأذواق والأفكار فى حد ذاته رحمة للأمة، ونعمة من نعم الله علينا، وبصيرة لا يفقهها إلا العقلاء، كذلك هو درجة من درجات التفكّر والتعقل، ولولا الاختلاف فى أنماط التفكير وطرح الآراء لما تطور الإنسان.
للأسف فلقد نشأ مجتمعنا المصرى على ثقافة يسود فيها الخلاف، بمعنى مخالفة كل ما يُعارض أفكارنا وتفكيرنا وميولنا، وقد ترسخت تلك الثقافة فى اللاشعور نتيجة للتخلف والتأخر الذى عرفه مجتمعنا، وذلك نتيجة عوامل عديدة، أهمها الزعامات السياسية الأحادية والمهيمنة والديكتاتورية التى حكمت فى وقت سابق، فالكل فى واحد، والواحد هو الزعيم الملهم المسيطر المفوه ذو الكاريزما الطاغية، الذى أن مات أو قتل ضاع الرمز، وتاهت القضية، وانفرط العقد، وتجرأت الفئران على الأسود .
أن سنّة الحياة قائمة على الاختلاف، فلماذا نضجّ عندما لا تعجبنا أفكار الآخرين ؟ فنقوم بتحقيرها وتسفيهها والتهجم على متبنيها .! فى حين أننا غير مرغمين على قبولها، بل وفى إمكاننا رفضها بكل حرية فكل منا حرّ طليق فى قبول أو رفض أى رأي، أى فكر يختلف معه جملة أو تفصيلا، على أن تكون لديه -بالضرورة- ثقافة الاختلاف مع آراء الآخرين والتعايش بمرونة وسلم معهم.
ثقافة بلا اختلاف، كرأس بلا عقل، شجرة بلا ثمار، أو جسد بلا روح، مع الأخذ فى الحسبان أن الاختلاف يفقد قيمته حينما يتحول إلى خلاف أو عداء شخصي، فاختلاف الفرد فى رأيه مع الآخر، ميزة إيجابية قد تكشف لأحدهما أو لكليهما قصورا ما، فيسارعان إلى إعادة النظر فيما اختلفا فيه، فيدفع كل منهما نفسه أو الآخر إلى التصويب بقصد أو بغير قصد، فليس هناك ضير أو ضرار فى ذلك الاختلاف، ما دامت نتيجته محمودة العواقب، وأن كلا منهما يتقبل الآخر، حتى وإن لم يتوصلا إلى أن يقنع كل منهما الآخر، فالمحصلة النهائية تتجسد فى قبول ثقافة الاختلاف مع الرأى الآخر، وأيضا لغة التفاهم، على ألا يكره أحدهما الآخر على قبول رأيه بشكل تعسفي، تغيب عنه لغة التعقل والمنطق.
وعليه فديننا الحنيف يقبل ثقافة الاختلاف، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أو المجادلة بالتى هى أحسن، والبعد عن التعسف وتسفيه آراء الآخرين، فرسولنا محمد -عليه الصلاة والسلام- كان يشاور أصحابه ونساءه، يستشيرهم ويأخذ بآرائهم ومقترحاتهم، وهو الذى يوحى إليه، على عكس من يرتدون اليوم عباءة الحكمة والوقار.
أن ثقافة الاختلاف تتطلب شخصا واعيا مؤمنا بها، منفتحا عليها مع الآخرين فى آرائهم، لا يخرج عن سلوكياتها القويمة، ولا يقبل ما يناقضها من أى منهجية غير أخلاقية، تغيب عنها لغة الحوار الهادف، البعيد عن التشنج والصراخ وقلة الذوق، أو استخدام أى ألفاظ غير لائقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة