بعد صلاة العصر وأمام النار الموقدة التى كانت تتخذ منذ القدم دليلاً على الكرم تحيطها أوانى القهوة العربية ذات الرائحة الذكية كان هذا اللقاء الأكثر من رائع الذى جمعنى بوالدى (متعه الله بالصحة) ذلك الشيخ الكبير الذى تجاوز منتصف العقد الثامن من العمر قضى معظمها فى عمله الدءوب وهو الإصلاح بين الناس راجياً دائما أن ينال ثوابه من الملك الديان، فالدنيا عند والدى كما يصفها دائماً لا تساوى شيئا فهى دار ممر ويجب على كل إنسان فيها أن يحسن كتابة تاريخه بنفسه فالإنسان تاريخ لما بعده هذا هو منظور والدى للدنيا.
لكن ما لفت نظرى فى لقاء والدى هو شريط الذكريات، الذى جعلنى أكاد أحلم بأن أعيش تلك الفترة التى يتحدث عنها والدى، وأحسست بفارق كبير بين ما يحادثنى به والدى وواقعنا الآن، صحيح إن الخير موجود إلى يوم القيامة، لكن هناك تغير شبه جذرى بين ما كان وما نحن فيه الآن، فصفاء السريرة التى يحادثنى والدى بها لم أعد أجدها فيمن يحادثنى الآن فى واقعنا المعاصر، فتصدر الكلمات منه فتدخل إلى قلبك مباشرة فهى تخرج من القلب بكل عفوية ولا تحتاج لتلوين أو تنميق.
ليفاجئنى والدى بسؤال ماذا حدث للناس يا ولدى؟ أين المودة والتواصل بين الناس؟ أصبحنا نتواصل عن طريق فيس بوك فلا حوار بين الأجيال وانعدمت ثقافة الحياة، لأن الثقافة الحياتية والخبرات تحتاج التواصل الحقيقى بين الأجيال، ثم يا ولدى ماذا حدث للناس فى الأدب والذوق العام؟ وأين تقدير الناس والترابط الأسرى حتى بين الجيران، ثم يا ولدى ماذا حدث للناس فى رمضان؟ فقد كان رمضان فيما سبق فرصة عظيمة لكسب الحسنات المضاعفة فى هذا الشهر العظيم من قراءة القرآن والأوراد ومنافسة الناس على جلب الغريب، فالضيف مكرم فى أى وقت لكن يزيد البحث عنه فى رمضان بحثا عن الأجر والثواب أما الآن يا ولدى فمعظم الناس - إلا من رحم ربى - يبحثون عن خريطة البرامج التليفزيونية والمسلسلات التى يتسم معظمها بالعرى والإسفاف اللفظى الذى يقلده الأطفال الصغار متخذين من مثل هؤلاء القدوة.
أما فيما يخص إطعام الطعام فتحول يا ولدى البحث عن الغريب والفقير الذى فرض الصوم لنحس به وبفقره إلى موائد للولائم التى يدعى فيها علية القوم وأغنيائهم بل والأدهى والأمر الإسراف الزائد عن الحد فى الولائم الفاخرة والتبذير.
قد يكون كلامى مؤلم يا ولدى لكنها الحقيقة التى يجب أن نواجهها بتغيير سلوكنا للأفضل، ولا أبحث يا ولدى أن أعيدكم لزمنى فقد تقولون - دى دقة قديمة - فقط أقول لكم خذوا من الزمن الجميل أفضل ما فيه وقوموا بخلطه بأجمل ما وجدتم فى الحداثة حتى تستمتعوا بحياتكم لأن راحة البال يا ولدى والصدق مع النفس المغلفة بأدب الحوار والذوق العالى هى مقومات مهمة لحياة سعيدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة