كيف تصدى أبو حامد الغزالى لـ الإلحاد.. حكايات "المنقذ من الضلال"

الأربعاء، 19 ديسمبر 2018 08:00 م
كيف تصدى أبو حامد الغزالى لـ الإلحاد.. حكايات "المنقذ من الضلال" الإمام أبو حامد الغزالى
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تمر اليوم، ذكرى رحيل الإمام أبو حامد الغزالى، الذى توفى يوم 19 ديسمبر عام 1111 ميلادية، وكان يمثل مدرسة فى الفكر الإسلامى، ومن أهم كتبه "المنقذ من الضلال".

يقول الإمام أبو حام الغزالى فى مقدمة الكتاب "الحمد لله، الذى يفتتح بحمده كل رسالة ومقالة، والصلاة على محمد المصطفى، صاحب النبوة والرسالة، وعلى آله وأصحابه الهادين من الضلالة.

أما بعد: فقد سألتنى أيها الأخ فى الدين، أن أبث إليك غاية العلوم وأسرارها، وغائلة المذاهب وأغوارها، وأحكى لك ما قاسيته فى استخلاص الحق من بين اضطراب الفرق مع تباين المسالك والطرقِ، وما استجرأت عليه من الارتفاع عن حضيض التقليد، إلى بقاع الاستبصار، وما استفدته، أو لا من علم الكلام، وما اجتويته، ثانيًا من طرق أهل التعليم، القاصرين لدرك الحق على تقليد الإمام وما ازدريته، ثالثًا من طرق التفلسف وما ارتخيته، آخرًا من طريقة التصوف وما انجلى لى فى تضاعيف تفتيشى عن أقاويل الخلق، من لباب الحق، وما صرفنى عن نشر العلم ببغداد مع كثرة الطلبة وما ردنى إلى معاودتى بنيسابور بعد طول المدة، فابتدرت لإجابتك إلى مطلبك، بعد الوقوف على صدق رغبتك، وقلت مستعيناً بالله ومتوكلا عليه، ومستوفقًا منه، وملتجئاً إليه: اعلموا - أحسن الله تعالى إرشادكم، وألان للحق قيادكم - أن اختلاف الخلق فى الأديان والملل، ثم اختلاف الأمة فى المذاهب على كثرة بالفرق، وتباين الطرق، بحر عميق غرق فيه الأكثرون، وما نجا منه إلا الأقلون، وكل فريق يزعم أنه الناجى، "وكل حزب بما لديهم فرحون". وهو الذى وعدنا به سيد المرسلين صلوات الله عليه، وهو الصادق المصدوق حيث قال: " ستفترق أمتى ثلاثًا وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة " فقد كان ما وعد أن يكون ولم أزل فى عنفوان شبابى - منذ راهقت البلوغ، قبل بلوغ العشرين إلى الآن، وقد أناف السن على الخمسين - أقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل فى كل مظلمة، وأﺗﻬجّم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع، لا أغادر باطنيًا إلا وأحب أن أطلع على باطنيته، ولا ظاهريًا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا فلسفيًا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلمًا إلا وأجتهد فى الإطلاع على غاية كلامه ومجادلته ولا صوفيًا إلا وأحرص على العثور على سر صفوته، ولا متعبدًا إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقًا معطلا إلا وأتحسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته فى تعطيله وزندقته.

وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبى ودينى، من أول أمرى، وريعان عمرى، غريزة وفطرة من الله وضعها فى جبلتى لا باختيارى وحيلتى، وحتى انحلت عنى رابطة التقليد، وانكسرت على العقائد الموروثة على قرب عهد سن الصبا، إذ رأيت: صبيان النصارى لا يكون لهم نشوء إلا على التنصُر، وصبيان اليهود لا نشوء لهم إلا على التهود، وصبيان المسلمين لا نشوء لهم إلا على الإسلام. وسمعت الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " كل مولودٍ يولدُ على الفطرةِ فأبواهُ يُهودانهِ، وينُصرانهِ، ويمُجِّسَاِنهِ " فتحرك باطنى إلى طلب حقيقة الفطرة الأصلية، وحقيقة العقائد العارضة بتقليد الوالدين والأستاذين، والتمييز بين هذه التقليدات، وأوائلها تلقينات، وفى تمييز الحق منها عن الباطل اختلافات فقلت فى نفسي: أولا إنما مطلوبى العلم بحقائق الأمور، فلا بد من طلب حقيقة العلم ما هي؟ فظهر لي: أن العلم اليقينى هو الذى ينكشف فيه المعلوم انكشافًا لا يبقى معه ريب، ولا يفارقه إمكان الغلط والوهم، ولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغى أنا يكون مقارنًا لليقين، مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه - مثلا - من يقلب الحجر ذهبًا والعصا ثعباناً، لم يروث ذلك شكًا وإنكارًا، فإنى إذا علمت: أن العشرة أكثر من الثلاثة، فلو قال لى قائل: لا بل الثلاثة أكثر، بدليل أنى أقلب هذه العصا ثعباناً، وقلبها، وشاهدت ذلك منه، لم أشك بسببه فى معرفتى، ولم يحصل لى منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه! فأما الشك بسببه فيما علمته فلا ثم علمت أن كل ما لا أعلمه على هذا الوجه ولا أتيقنه هذا النوع من اليقين، فهو علم لا ثقة به ولا أمان معه، وكل علم لا أمان معه فليس بعلم يقينى.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة