إحتفل العراقيون بمرور عام على نصرهم الكبير، بعد أن خاضوا حربا مريرة إستمرت أربع سنوات، قدموا فيها دماء طاهرة ملأ عبيطها صحراء الأنبار، وجبال مكحول وحمرين وأودية حوران وكركوك وهضاب ديالى والموصل وجبال سنجار وشوارع تكريت والفلوجة وتلعفر، فكانت معركة لم يشهد التاريخ لها مثيلا.
إجتمعت عوامل عدة؛ خارجية وداخلية، فى أن يكون العراق جزءا من منظومة التغيير الجيوسياسية بالشرق الأوسط، الذى عصف به إعصار "سياسي – إرهابى" أدى لتغيرات كبرى، في شكل الأنظمة السياسية الحاكمة في هذه المنطقة، صاحبها ظهور حركات متطرفة، إستخدمت العنف والإرهاب في فرض سيطرتها وبسط نفوذها، في بعض الدول التي أصابها التغيير، فكان نتيجة ذلك فوضى ودمار وقتل وتشريد، وعدم استقرار.
دخل العراق دوامة الإرهاب منذ وقت مبكر، فالتغيير السياسي بعد عام 2003 والطبيعة الإجتماعية المتنوعة، والفشل في إدارة الدولة العراقية، والتعامل مع الظروف السياسية العاصفة التي كانت تحيط بها، إضافة الى إن العراق أصبح مسرحا للصراع الدولي، كل هذه العوامل وفرت أرضا خصبة لزراعة التطرف والصراعات الطائفية، التي كان يخمد جمرها في فترة، ثم يتطاير شررها في فترة أخرى، وصولا لعام 2014 ودخول العراق نفق مظلم لا تعرف نهايته.
ضربت صواعق الإرهاب بكل قوة، فأصبحت مدن كبرى تحت سيطرة داعش، فالموصل صارت عاصمة لدولتهم الإسلامية المزعومة، تبعتها مدن صلاح الدين والرمادي، وقسم من مناطق ديالى وكركوك، وأصبح الإرهابيون على أطراف بغداد مهددين قلبها، واستعانت هذه المجاميع الإرهابية بدعم خارجي وفر لها الأموال والأسلحة والدعم الإعلامي، فيما وفرت لها البيئة الحاضنة - المهيأة سلفا - آلاف المقاتلين المتمرسين.
منظومة سياسية متصارعة، مؤسسات مفككة وشعب فقد الثقة بالمتصدين وربما حتى في نفسه، فلم يحرك ساكنا تجاه الخطر المحدق به، فكان الأمر يحتاج لصدمة كبرى، تجعل الجميع يفيق من الغفلة التى هم فيها وينتبهون لأنفسهم، يتداركون أوضاعهم ويلملمون شتاتهم.
جاءت اللحظة الحاسمة التي استنفرت الطاقات الكامنة، وجعلت الجماهير تنفض الغبار عنها وتقف بوجه الإعصار القادم، تتحد فيما بينها بعيدا عن الحسابات الطائفية والقومية، ترد الشر القادم بكل قوة وتنازله منازلة كبرى، كانت هي الأشرس والأصعب على مر التاريخ، بأهدافها وإمكاناتها المادية والمعنوية، وحجم الجرائم التي إرتكبتها بين قتل وتهجير وتهديم وسبي وقطع رؤوس، لكن إرادة العراقيين قالت قولتها، وانتصر العراقيون على أعداء الحياة والحرية والسلام، وسطرت القوات العراقية بطولات قل نظيرها.
عوامل عدة إجتمعت، جعلت النصر العراقي باهرا على عصابات داعش، وحررت أراضيه ومدنه، كان فى مقدمتها فتوى الجهاد الكفائي والتلبية الكبيرة لها من العراقيين بأعداد مليونية، من مختلف الطوائف والمكونات، وتغير الروح المعنوية والأسلوب القتالي للقوات العسكرية العراقية بمختلف فصائلها، والإشراف المباشر من قبل قيادات جديدة متمرسة على مجرى العمليات على الأرض، والطابع الإنساني الذي حملته معارك التحرير.
ولا ننسى أن الدور الأبرز كان للشعب العراقي، الذي توحد بكافة مكوناته وطوائفه، مؤمنا بالقضية التي يقاتل من أجلها، موفرا كافة وسائل الدعم للقوات المقاتلة، وللعوائل النازحة التي شردها الارهاب، فتجسدت ملحمة كبرى أجهضت مخططات عالمية، وجعلت العراق موطنا للشمس وبلادا للحرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة