المطعنى: السائح يحصل على خطاب مختوم بالتحفة لكى يتركوه بالمطار
صاحب مصنع: نسعى للتجمع لحماية تلك الحرفة من الإنقراض بعد عزوف الشباب عنها والتفوق فيها أفضل من حلم الوظيفة
مملكة صناعة يدوية مصرية باقية منذ عشرات السنين تقدم السحر الخاص بها للسائحين الأجانب خلال زيارتهم لمحافظة الأقصر، تلك المملكة الرائعة هى "فن صناعة الألباستر"، وتقليد التحف الفرعونية التاريخية لبيعها كهدايا تذكارية للسائحين الأجانب.
ويعتبر فن الألباستر من الفنون الجميلة التى يشتهر ويتميز بها أهل غربى الأقصر، فقديما فى عصور ملوك الفراعنة استخدم الألباستر فى صناعة الأوانى التى تقدم فيها المشروبات قربانا للألهة فى المعابد القديمة، وفى الحياة اليومية بالمنازل كانت تصنع منه اوانى العطور والزيوت، فهو فن حقيقى لايقل قيمة عن فن الخزف أو النحت، ويحتاج إلى مجهود أكبر من باقى الفنون المشابهة له، حيث أنه يكون عبارة عن حجارة يتم العمل على تشكيلها بصورة مرهقة للغاية، فحجر الألباستر يختلف بألوانه من "الأبيض والوردى والبيج والبنى والرمادى والأسود والأخضر"، ولكل حجر استخدامه للفنان الذى يصنعه.
وما أن تصل إلى منطقة جبل القرنة ومداخل مقابر وادى الملوك والملكات ومعبد حتشبسوت بغربى الأقصر، تجد المعارض والورشة الفنية المميزة لصناعة الألباستر وتقليد التحف منتشرة على جانبى الطريق بصورة ملهمة للجميع لمهنة عمل فيها الأجداد والأبناء الين ينقلون تلك الحرف إلى أطفالهم للحفاظ عليها من الاندثار، بل ووصل الأمر لتأسيس جمعيات لتلك الصناعة لتعليم الجميع حتى خريجى الكليات والمعاهد العليا حتى يستفيدون بشكل أكبر منها بالمزج بين الفن القديم والتطور التكنولوجى لمواجهة الزحف الصينى فى كافة الصناعات ودخول القطع الصينية بكل معرض فى شرق وغرب الأقصر.
يقول الحاج سيد المطعنى أحد أشهر نجوم فن النحت وتقليد التحف بالبر الغربى، أن صناعة الألباستر وتقليد التحف هى حرفة توارثتها الأجيال من الأجداد العظماء القدماء المصريين، ومازالت مستمرة حتى الآن، وتتمثل فى صناعة التحف الفرعونية والتماثيل الخاصة بالملوك من "الألباستر"، وهو الحجر الذى يستخرج من باطن الأرض لينتج عنه الفن الراقى والجمال الساحر، فتصنع التماثيل للملوك والتصميمات للمعابد والآثار الفرعونية القديمة، والتى يقبل عليها السياح بصورة مميزة فى الأقصر لتكون هدايا لأسرهم وأصدقاؤهم لدى عودتهم لبلدانهم، موضحا أن بداية ظهور تلك الفنون الصناعية فى التاريخ عندما قام مهندس الملك خوفو المسئول وقتها عن تصميم وبناء الهرم الأكبر بقطع ألواح ضخمة من أحجار الرخام المصرى أو الألباستر، ونقلها عبر نهر النيل ليقوم بتغليف حجرة الملك خوفو التى بناها داخل الهرم وكانت بمثابة لوحة جمالية داخل حجرات الأهرامات، لما يتمتع به هذا الحجر الجميل من طواعية للنقش تظهر إبداعات الفنان الذى يتناولها، ولكنه لم يكتف بهذا فقد شعر المهندس "الأمير حمايونو" أن باستطاعته من خلال هذا الحجر ابتكار الكثير، فأهدى الملك "خوفو" نموذجاً مصغراً من تصميمه للهرم الأكبر، وبعدها قام الملك بإهداء كل أصدقائه من الملوك والأمراء ممن زاروا مصر قطعا من الألباستر كتب عليها "خوفو راعى الأرض"، ومن هنا أصبحت قطعة الألباستر أجمل هدية يمكن أن يأخذها الزائر من مصر.
ويضيف الحاج سيد المطعنى لـ"اليوم السابع" أن صناعة وتقليد التحف واستخدام أحجار الألباستر كانت قديماً مهنة الفنانين المحترفين الذين لم يتلقوا التعليم فى المدارس ولا الجامعات فأغلبهم توارث تلك المهنة من أجدادهم، ولكنه حالياً برفقة مجموعة من أبناء البر الغربى تأسيس جمعية لتعليم الشباب بالجامعات والأطفال بالمدارس ذلك الفن لكى يستفيدوا منه كمصدر دخل مميز لهم حال إتقانه وإدخال التطوير عليه باستخدام التطور التكنولوجى والعلمى فى مختلف أنحاء العالم، مؤكداً أن الشباب المتعلم عقله يتوسع أكثر فى كل شيئ ويسعى للاستفادة من العلم بجلب الكتب التى تعينه على توسيع العمل فى ذلك الفن الذى لو أتقنه شاب لأغناه عن الوظيفة والتعيين كما يحلم الشباب حالياً، مؤكداً أن التحف يتم عملها بعدة أحجار مميزة موجودة بكثرة فى جبال القرنة حيث إن تلك الصناعة تعد مصدر رزق للآلاف من أبناء البر الغربي، ويسعى لشراء التحف المصنوعة كافة السائحون القادمون من مختلف دول العالم لإهدائها للأصدقاء والأهل وتزيين المنازل بها.
ويقول سيد المطعنى من مواليد 1947 إنه الجمعية التى أسسها تهدف بالأساس لخدمة أبناء بلدته فى تعلم ذلك الفن بالتقليد المميز للقطع الفرعونية وبيعها للسياح كهدايا مميزة، موضحاً أن المعارض والصانعين يقدمون ما يشبه تصريح مختوم منهم بأن تلك القطع مقلدة خلال سفر السائح لبلاده حتى لا يتم القبض عليه بتهمة الإتجار فى الآثار نظراً لقوة الفن فى التقليد والصناعة التى تشبه بصورة كبيرة القطع الفرعونية الأصلية، مؤكداً أن تعلم ذلك الفن منذ طفولته فى بيت "هوارد كارتر" مكتشف مقبرة الملك توت عنخ آمون، والذى كان يضم فى السابق ويزوره بصفة دائمة العشرات من الباحثين والأثريين المصريين والأجانب الذين أحبوه وقاموا بتعليمه ذلك الفن ولغة الفراعنة لكى يتقن كتابتها على التحف الفنية المميزة، وتفرد فيما بعد بالتقليد للتحف بصورة تجعل تحفته لا يفرقها أحد عن الأصلية إلا المتمرسون فى العلم والآثريين الكبار فقط، موضحاً أن القطع التى صنعها ساعدته فى الشهرة بالخارج وزار عدة دول أوروبية وقدموا له عدة طلبات لتأسيس مدارس لتقليد التحف فى بلدانهم ولكنه رفض لكونه يعلمها لأبناء محافظة الأقصر من محبى الفن التاريخى المميز.
وعن أشهر الشخصيات التى صنع لها تحف فرعونية مميزة خلال الفترة الماضية يقول الحاج سيد المطعنى لـ"اليوم السابع"، أنه صنع تحف وتماثيل وهدايا لعدد من المشاهير منهم الملكة صوفيا ملكة إسبانيا وعمدة مدينة باريس وعمدة مدينة نيس ونجوم كرية القدم والفن الاجانب الذين يزورون مصر، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة سيدنى بأستراليا وزارها عدة مرات وطلبوا منه تعليم تلك الصناعة اليدوية لأستاذة الفنون الجميلة لديهم ولكنه رفض كالمعتاد، وكان يقدم محاضرات فى مختلف دول أوروبا، مؤكداً أنه يحلم بتأسيس ورشة عمل كبيرة لكافة أبناء الأقصر من محبى ذلك الفن لتعليمهم أكثر خلال الفترة المقبلة كيفية تشكيل وصناعة تلك التحف باستخدام معدات خفيفة كالشاكوش والأزميل والصنفرة، حيث إن الألباستر وتقلى التحف صناعة يدوية لها ثلاثة ألوان أبيض وبنى وأحمر، وتستخرج فى أحجام كبيرة يتم تكسيرها لتصنع منها الأشكال المختلفة، وجميع التماثيل المتواجدة بالمتحف المصرى هى من الألباستر، ومن أنواعها الألباستر البازلت وهو حجر أسود بركانى، والجرانيت والحجر الجيرى والذى يصنع منه اللوحات المرسومة لحفظ الألوان.
أما أشرف الحاوى صاحب مصنع تحف مصنوعة من الألباستر بالبر الغربي، أن التاريخ قدم خدمة كبيرة لأبناء البر الغربى حيث قام المصرى القديم بإستخدام حجر الألباستر فى العمارة وكذلك فى النحت، حيث قام بنحت التماثيل والأوانى الجميلة من هذا الحجر الذى لا يوجد له مثيل فى العالم، ولذلك يعرف بالألباستر المصرى حيث استطاع القدماء الإبداع فى صناعة روائع فنية من التماثيل المنحوتة من هذا الحجر، وأهمها تمثال الملك "بيبى الثانى" وهو جالس على ركبتى أمه بكامل ردائه الملكى والتمثال محفوظ بمتحف بروكلين بأمريكا، وفى مجال العمارة أستخدم حجر الألباستر فى عمل الأرضيات الجميلة التى تعكس أشعة الشمس فتضيف بهاء وقدسية وجمال خاصة على المكان، وأجمل أمثلتها أرضية معبد الوادى للملك خفرع، مؤكداً أنه بالرغم من أن الألباستر يستخدم فى صناعة بعض الأدوات الحياتية إلا أن استخدامه فى صناعة الفازات والتماثيل هو الأهم والإبداع الكبير حالياً، وجميع الصانعين يقومون يومياً بالعمل فى ابتكار أشكال وأحجام لا نهائية من الفازات والتحف والتماثيل.
ويضيف أشرف الحاوى لـ"اليوم السابع"، أن كل معارض البر الغربى أصبحت حالياً تقدم مختلف أشكال وأنواع التحف المصنوعة يدوياً وبالتكنولوجيا الحديثة بالمكاينات المستورة من الخارج وعلى رأسها الصيني، موضحاً أن الأسعار تبدأ لتلك الهدايا والتحف من 50 جنيهاً على حسب الحجم والشكل وتصل لآلاف الجنيهات بحسب الفن والحرفة المميزة المستخدمة فى صناعتها، موضحاً أنه منذ عشرات السنين يعتبر البر الغربى بالأقصر هو المصدر الأول لصناعة فن التحف من الألباستر، حيث يضم أكثر من 50 مصنع منتشر بمختلف أنحاء مناطق مدينة القرنة، ويقوم داخلها نجوم المهنة بالعمل منذ السادسة صباحاً فى عملية تصنيعه بأدوات يدوية لخروج التحف بالأشكال المميزة التى تتواجد فى صالات العرض المختلفة الخاصة بالمصانع.
ويؤكد أشرف الحاوى صاحب مصنع للألباستر، أن التحف المنحوتة من تلك الأحجار التاريخية توارثها الفنانون من الأجداد فهى صناعة فى مختلف أنحاء العالم والجميع أصبح يعرفها من سفرائها من السائحين القادمين لمصر، مشدداً على أن تلك الصناعة تعتبر من الفنون النادرة ولا توجد إلا فى غربى الأقصر ويعمل بها الأطفال والشباب والرجال والنساء أيضاً، ومن يقوم بتقليدها خارج مصر يقدم تحف لا تضاهى فى إمكانياتها ومميزاتها ما يصنع بأيادى أهالى البر الغربى الذين أتقنوا تلك الصناعة بأنفسهم، مناشداً جميع محبى الصناعة الحرفية المميزة بضرورة التجمع وحماية تلك المهنة من الانقراض بعد عزوف الاجيال الجديدة والبحث عن الوظيفة، مؤكداً أن النجاح فى التقليد والنحت يضمن مستقبل مالى أفضل بكثير من الوظائف التى يلهث خلفها الشباب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة