أُشفِق على هؤلاء الصامتين الذين رغم الضجيج الذى بداخلهم يبدون لنا هادئين..الذين لايجدون أنفسهم إلا بين جنون الفلاسفة والوجوديين.. ولِمَ لا وهى تعصف بأذهانهم فيحلّقون بعيدًا بها عن الملل والرتابة فى هذا الوجود.. سئموا تلك الكتابات الباهتة التى لم تعد تُغنيهم من جوع ..مُزعجون جدًا رغم صمتهم، ورغم سكونهم وسكوتِهم .
تظنّهم فى كثير من أحاديثهم أنهم هراطقة أو مجانين.. لايُشابهون أحد..رافضين للتقولب..ليسوا بنمطيّين..عيونهم دومًا حائرة تظنّهم مشغولون بما حولهم وهم فى الحقيقة فى عزلة بداخل أرواحهم.. ليس من المعتاد لديهم أن يُحدثون أحدًا عن مشاعرهم..عن ذواتهم..عن ذلك المخزون المكنون فى ذاكرتهم ونفوسهم.. إلا ذلك الإستثنائى إن ألقت به أمواج الحياة أمام شواطىء عُزلتهم..
حينها يُلقون بأنفسهم دُفعة واحدة بين أحضانه..ينظرون إليه نظرة عتاب يلومونه لتأخره عنهم ..يخرجون أخيرًا معه عن صمتهم وسكونهم فيحدثونه عن الحب والمشاعر..يكشفون له عن ندوبهم وجروحهم..
يُسمعونه صوت الأنين الذى كان يتوارى خلف صمتهم المجهول للبشر..
وأخيرًا تلاقت وتآلفت كيمياهم.. يمتلئون به..يتعرّون أمامه من كل زيف..لا يتحرّجون من التعثر أمامه..إنه الإستثناء الجميل الذى حدث أخيرًا فى عوالمهم ...إنه الطفرة الرائعة التى أحدثها الوجود فى جيناتهم..إنه الإستثناء الذى قلّما يحدث أو لايحدث..صار صندوقهم الأسود الحاوى لكل أسرارهم..تكلموا بكل مافى دواخلهم ..صاروا كالطير فى جو السماء أو كالوردة التى أزهرت أخيرًا فى ربوع الأرض.. ثم تأتى اللحظة " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم"
لحظة فقدان الإستثناء من بين أحضانهم..تاركًا لهم الذكريات...الرسائل..الأنين والأوجاع..تاركًا ندوبًا لن تُشفى أبدًا كسابقاتها بل ستدوم مدى الحياة..فندوب ذلك الإستثناء باقية..جروحه غائرة.. هؤلاء لايبكون أبدًا لحظة الصدمات بل بعدها، عادوا لصمتهم ثانية..وآووا إلى كهف عُزلتهم..إختبئوا هناك بين جدرانه..إنطفأ شىء بداخلهم لم يسطع إلا هذا الإستثناء على إشعال جذوته..
عاودوا السكوت والسكون..
أفرغوا أثقال همومهم على كتفِ الأوراق البيضاء فهو الكتفِ الوحيد الذى لايئنّ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة