الصمم الإرادي

الجمعة، 30 نوفمبر 2018 08:05 م
الصمم الإرادي داليا مجدي عبد الغني
داليا مجدي عبد الغني

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يَحْضُرنِي الآن جُملة، كان كثيرًا ما يُرددها أحد رُؤسائي في العمل، والحقيقة هى أكثر جُملة كانت تُثير إعجابي، فهو كان يقولها عندما يسُوق له أحد مرؤوسيه مُبررات لتقصيره في أداء عمله، فهنا كان يرد عليه، ويقول: "هناك كلام، أذني لا تسمعه على الإطلاق"، وكان يعني أن هذه الكلمات لا تجد صدىً لديه؛ لأنها تهدف إلى وضع مُبررات واهية لا يُعول عليها. والحقيقة، لا أدري لماذا كانت هذه العبارة مُستساغة بشدة بالنسبة لي، على الرغم من أنني قد أكون غير مُتوافقة معه في كل الآراء والأفكار، إلا أن هذه الجُملة كان لها رنين جذاب بالنسبة لي، ومرت الأيام، ولم يعد رئيسي في العمل، ولكنني علمت سبب إعجابي بجملته هذه؛ والسبب ببساطة شديدة، هو أنني مثله، أجد أُذني لا تسمع المُبررات الواهية، ولا تُنصت للعبارات التي تشد إلى الخلف، ولا تنساق خلف المُحْبطين واليائسين، ولا يُطربها مديح المنافقين المُغرضين، فقد اكتشفت أخيرًا يا سادة، أن الأذن هي أسرع مُؤشر للمُخ، فهو أقوى مُؤثر في الجسد؛ لأن الأذن هي التي تسمع الكلام، وعن طريقها يجد سبيله إلى العقل، والذي يُترجم الإشارات أوتوماتيكيًا، ويُرسلها إلى القلب، والذي بدوره لو دخل الكلام إليه واستساغه، واستسلم له، سيُرسل إشاراته إلى العقل لكي يتوقف تمامًا عن التفكير، أو على الأقل يُفكر في اتجاه ونمط مُحدد، وبالمناسبة، هذا الكلام ينطبق على العبارات الإيجابية، وكذلك السلبية. ومن هنا، أدركت أن هذا الرجل كان مُحقًا في أن يمنع أذنه من الاستماع إلى الكثير من الكلمات؛ حتى لا يرفع الراية البيضاء للمُبررات الواهية.
 
وهذا يُذكرني بقصة، تؤكد أن الصمم أحيانًا يرفع صاحبه، ويرتقي به إلى سُلم المجد، ففي يوم من الأيام، كان هناك مجموعة من الضفادع الصغيرة يتنافسون في مكان موجود ببرج عالٍ، وكانت المنافسة تُقام بحضور جمع كبير من الجمهور من الضفادع، الذين أتوا للمُتعة والتشجيع والمُراقبة. وبعد بدء المباراة بوقت قليل، أطلق بعض الجماهير من الضفادع سيئة الخُلق بعض العبارات المُحبطة والرديئة للمُتسابقين؛ لكي يُقللوا من عزم المُتسابقين وإرادتهم في الفوز بالمُسابقة، والتقليل من روحهم المعنوية، وتكسير عزيمتهم القوية وآمالهم العريضة، فكان بعض الجماهير من الضفادع تُردد استحالة أن يصل أحد للقمة، ويفوز في المباراة، ولن يكسب أحد في هذه المباراة، إنها مُعجزة بحق لو فاز أحدكم.
 
ومر وقت ليس بطويل، بدأت فيه آمال الضفادع الصغيرة تتلاشى، وعزيمتهم تضعُف، فسقط البعض منهم؛ بسبب انهيار قُوتهم وعزيمتهم، ولكن البعض منهم استكمل هذه المُسابقة، وأكملوا التسلق، غير مُكترثين بالعبارات المُشينة، التي كان الجُمهور يُطلقها ويُرددها. استمرت الضفادع الصغيرة تتنافس وتتبارى، واستمر أيضًا بعض الجُمهور بأن يُقلل من عزم المُتسابقين، وروحهم المعنوية المُرتفعة، فتأثر بعض المُتسابقين أيضًا بالعبارات السيئة، وزاد عدد المُنسحبين من هذه المُسابقة، فسقط عدد كبير من المُتسابقين، بعد أن خارت قُواهم، وتحطمت روحهم المعنوية، واستمر الحال هكذا، والكل يُراقب عن كثب وقُرب، حتى لم يبقَ في هذه المنافسة غير ضُفدع واحد صغير، استمر هذا الضفدع يتقدم ويتقدم، ويرتفع ويرتفع، ويتسلق ويتسلق، فقد عزم على الفوز، ولا شيء غير الفوز، وترك وراء ظهره الاستسلام من عدم تكملة المُسابقة.
 
ولما وصل الضفدع الصغير لقِمَّة البرج العالي، وفاز في المُسابقة، وعندما نزل الضفدع لكي يُكَّرَمَ على فوزه الساحق في مُسابقة التسلق للبرج العالي من قبل القائمين على هذه المُسابقة المثيرة والرائعة، فقال له أحد المُنسحبين من المسابقة: "كيف فُزت يا زميلي، وحققت ما لم يستطع أحد غيرك فعله؟!"، قال الضفدع: "السر يكمن في أني لا أسمع، وأني أصمّ، فلم أتأثر كُليًا بأي كلمة سيئة، أو عبارة أو إحباط سمعتموها أنتم من الجمهور، ولم أسمعها أنا". 
 
فأحيانًا، يكون الصمم عن استماع الكلمات المُؤذية، التي تشد صاحبها إلى الخلف، هو الحل الجذري، فلو كانت نعمة الاستماع من أجَّلِ النِّعَم، فعلينا ألا نسمع إلا ما يدفعنا للأمام، ويشحذ هممنا، أما ما دون ذلك، فلا بأس من اختيار الصمم الإرادي.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة