كريم عبد السلام

الاتحاد الأوروبى وسياسة «اللطف الزائد» مع نظام أردوغان

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يواصل الديكتاتور العثمانى، رجب أردوغان، سياساته الباطشة تجاه مختلف فئات المجتمع التركى، بهدف تصفية معارضيه وإضعافهم تحت سمع وبصر المؤسسات الحقوقية الدولية، ودون أن يحرك الاتحاد الأوروبى ساكنًا تجاه هذه الممارسات الوحشية التى تبدأ بالفصل العشوائى من الوظائف والاعتقال دون محاكمة، وإصدار الأحكام بالسجن من الدوائر القضائية الموالية للديكتاتور، وسجلت سجون الديكتاتور أرقامًا قياسية فى اعتقال الصحفيين والمبدعين، وفى اعتقال النساء الحوامل والأطفال دون الثامنة عشرة من العمر، وكذلك فى التنكيل بالأقليات الإثنية والعرقية وفى مقدمتها الأكراد.
 
وأحدث حملات التنكيل والاعتقال العشوائية من جانب قوات الديكتاتور شملت العاصمة التركية أنقرة و24 مدينة أخرى، بعد إصدار النيابة العامة مذكرات اعتقال بالأمر المباشر بحق 89 شخصًا، والتهمة الجاهزة صلتهم بحركة « خدمة» وزعيمها اللاجئ إلى الولايات المتحدة فتح الله جولن، وكذا صلتهم بالانقلاب يوليو2018 الوهمى، كما طالت حملة الاعتقالات أكثر من خمسين جنديًا فى شمال غرب تركيا بنفس التهمة، الأمر الذى يوضح لجوء الديكتاتور العثمانى إلى الاتهامات الجاهزة لوأد كل الأصوات المعارضة داخل مؤسسات الدولة أو المجتمع المدنى والأحزاب. 
 
ولم يكن لأردوغان أن يستغل السلطات الاستثنائية التى منحها لنفسه فى مجموعة متتالية من الانقلابات الناعمة على الدستور والقانون التركيين، لولا هذا الانقلاب الوهمى الذى تحول إلى حصان طروادة يمر من خلاله الديكتاتور ومؤيدوه ليقلبوا النظام التركى العلمانى رأسًا على عقب، ويحولوا الدولة التركية من دولة ليبرالية حديثة تتوق إلى الانضمام الكامل للاتحاد الأوروبى إلى دولة فاشية بوليسية ذات طابع دينى تعيد للأذهان شبح الوحشية العثمانية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكيف شكلت منطقة تطرف ورعب إلى الدول الأوروبية، ولم تستطع أوروبا التخلص من هذا الشبح الدموى إلا بالحرب العالمية الأولى.
 
الغريب أن الاتحاد الأوروبى المتضرر الأول من عودة شبح الديكتاتورية العثمانية فى قلب القارة العجوز يستخدم مازال سياسة اللطف الزائد مع أردوغان وأركان نظامه رغم ثبوت رعاية الديكتاتور العثمانى للإرهاب وإدارته ما يشبه الحرب الدينية وحرب الكراهية والتطرف من خلال المهاجرين ورجال الدين الأتراك فى عديد من الدول الأوروبية، الأمر الذى يمثل خطرًا داهمًا على المجتمعات الأوروبية فى المدى المنظور، كما خلق هذا التوجه من أردوغان مجموعة من الحركات اليمينية المتطرفة التى تعادى المهاجرين وتستهدف المسلمين الأبرياء غير الأتراك فى البلاد الأوروبية.
 
الاتحاد الأوروبى اكتفى فى بيان له مؤخرًا بدعوة أردوغان ونظامه إلى ما أسماه «اتخاذ إجراء حاسم لتغيير الاتجاه الراهن لحكم القانون والحقوق الأساسية»، كما وجه مسؤولون بالاتحاد الأوروبى اللوم لأردوغان بعد استمرار حملات الاعتقال والتنكيل بالصحفيين والأكاديميين والمعارضين من مختلفى فئات المجتمع التركى، ولم يخرج عن مسؤولة الاتحاد الأوروبى للشؤون الخارجية فيديريكا موجيرينى سوى ما أسمته بانتقادات شديدة اللهجة، بينما أجهزة الأمن التركية تعتقل العشرات دون اتهام واضح وتقصف الأقلام وتصادر الحريات وتكمم الأفواه!
 
انتقادات مسؤولة الشؤون الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، أو عقد الجلسات الثنائية مع المسؤولين الأتراك لإقناعهم بتعديل مسارهم، أو حتى قرار البرلمان الأوروبى بتجميد المفاوضات مع أنقرة للانضمام للاتحاد الأوروبى،ليست كافية، فى الوقت الذى أصبحت فيه أحلام السلطان العثمانى جامحة لاستعادة مجد أجداده من سلاطين الدولة العثمانية الذين أغرقوا العالم فى الدماء، وخطورته ليست محصورة فى منطقة الشرق الأوسط، بل يمثل خطرًا على العالم أجمع، فلا ننسى أن تركيا عضو فى حزب الناتو وعلى أراضيها توجد عدة قواعد للحلف، ولواشنطن أيضًا، وأن أى تصعيد عسكرى من أردوغان ضد جيرانه الأوربيين يمكن أن يتحول إلى حريق كبير تكتوى به تركيا وشركاؤها فى الناتو، مع حالة السيولة السياسية والأمنية التى تشهدها المنطقة والعالم.
 
كما أن تأخر أوروبا فى تدارك خطيئة التعاون مع شخصية متطرفة بطبعها مثل أردوغان، يتسبب فى مخاطر هائلة للعالم أجمع، فالديكتاتور العثمانى مسؤول عن تسلل الإرهاب إلى العواصم الأوروبية، من فيينا إلى باريس ولندن وبرلين، بل إن هذا التراخى الأوروبى فى قمع الشر الأردوغانى تسبب فى خروج الإرهاب الداعشى والإخوانى عن سيطرة أردوغان نفسه وانطلاق الذئاب المنفردة دون كابح، لتنتقم من الحضارة ورموزها فى كل دول العالم ولم تستثن الدول الأوروبية بالطبع.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة