كلما عاش المرء حياة ونقيضتها، كلما كان أكثر خبرة ، فضلا على أن الحياة سوف تكسبه نوع من الحيطة والحذر، وخاصة لو كان الشخص قادرا على استقراء الواقع.
وفى التاريخ الحديث شخصيات تكاد أن تقرأ عنها، تجد نفسك وكأنك تبحر فى حكايات الف ليلة وليلة، وكأن الإثارة والتشويق فقط من نصيب التاريخ المصرى القديم والمعاصر دون غيره .
"حافظ" اسمه، مصرى مسلم، دفعته وطنيته ان يسلك مسلك قليلون من الأقباط حينذاك بدخوله الى أحد الأديرة للرهبنة، ليس زهداً ونُسكاً إنما أملاً فى ان يرتقى فى سلكالرهبنة ليعتلي كرسى مطرانية الحبشة والتى كانت تتبع الكنيسة المصرية فى ذلك الوقت، ليحقق ما تمناه وهو تجنيد بعض الضباط والجنود للتخلص من الإنجليز بمصروالسودان، ويختفي عن أعين البوليس التي ظلت تطارده
فلجأ لأحد أصدقائه الأقباط " فريد فهمي " والذى عرض حافظ عليه الامر فإستغرب صديقه جداً من تلك الفكرة المجنونة كونه غير مسيحي، ولكن أرشده بحسب رغبتهاخيراً لدير من أديرة برية وادي النطرون وهو دير الانبا بيشوى
" حافظ نجيب " شاعر وضابط وجاسوس وراهب، دخل الدير وحدثهم عن رغبته فى الترهب دون أن يسألوه من انت ومن أين جئت !! كان يجيد التحايل والتنكر ولغاتعدة ، وتعلم كل ما للرهبان فى وقت قصير جدا، وسرعان ما تُليت عليه شعائر صلاة المتوفي وهو طقس رسامة الرهبان الى الآن، فنال أول الطريق الذى يبتغيه برسامتهراهب
كان واعظ وخطيب مفوه، إلتف حوله الكثيرين وفوضه الدير كمتحدث رسمي لمقابله الزائرين لإجادته الشرح والتعبير
وصل له بالدير نبأ وفاة الزعيم مصطفى كامل ، فحزن عليه جدا فنظم من شعره قصيدتين تركهم بين ضفتى إنجيل فى صومعته، وعند زيارة رئيس الدير امتدت يدهبعفوية للقصيدتين وعرف ان القصيدتين من نظم الراهب "غبريال " ذلك هو اسم حافظ بعد الرهبنة ، ففرح الرئيس ان الرهبنة ضمت لصفوفها شاعر وأديب، وللفورنشر القصيدتين على التوالي بجريدة الوطن ، فخاف حافظ لافتضاح أمره بعد إن وصلت الجريدة لِيَد البابا كيرلس الخامس الذى سمع من الكثيرين ان البابا يتمتع بالشفافيةورجل له كرامات، فاستدعاه البابا على الفور ليرى ذلك الراهب الجديد
هرب حافظ من الدير لبيت "لمحمد فريد " الذى طرده على الفور، ولكن فكرة الرهبنة مازالت عالقة فى ذهنه حتى يكمل ما بدأه ويكون بعيد عن عيون الناس فاستبدلديره الانبا بيشوى بالدير المحرق بأسيوط، الذى رقي فيه لدرجة قِس، وكان محبوب من الكل، ولكنه ترك الدير بسبب غطرسة راهب زميل
رفع شكوى لدار البطريركية لتعنت ذلك الراهب، فأشاروا عليه بدير الأنبا انطونيوس بناحية "بوش " ببنى سويف وأسندوا له مهمة الوعظ فتعلقت نفوس القرى المحيطةبالراهب غبريال " حافظ نجيب "
لفصاحته وعلمه
علم رئيس دير المحرق ان الراهب غبريال ترك الدير فثار على الرهبان فطلب من البابا يستعطفه لرجوع غبريال للدير مرة اخرى لانه كان حريص على استبقاء الراهبغبريال به، فطلبه البابا كيرلس الخامس مرة أخرى، فكان لِزاما علي حافظ مقابلة البابا .
قال حافظ نجيب فى مذكراته التى تزيد عن أربعمائة صفحة ، قابلت البابا كيرلس الخامس رجل حسن النية وطيب القلب ولكنه قابلنى مقابلة خشنة وقال لى " انت جيت يامسيو " انت بتتكلم إنجليزي وفرنساوى وغلباوى " ولن تنال منصب دينيا وانا على رأس الكنيسة، اخرج من قدامى، وقال حافظ نجيب محدثاً نفسه، كيف امتدت يد ذلكالكهل الى اعماق الصحراء وراء الجدران لتبعدني عن الدير مرغماً ؟!
وعقد حافظ نجيب العزم لعدم العودة لحياة الدير مرة أخرى بعدما خابت مساعيه .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة