محمد عبد الحميد يكتب: فى ذكرى نصره واستشهاده.. السادات شىء من العتاب

الخميس، 04 أكتوبر 2018 08:41 ص
محمد عبد الحميد يكتب: فى ذكرى نصره واستشهاده.. السادات شىء من العتاب السادات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يُولد وفى فمه مِلعقةٌ من ذهب، فلاحٌ مصرىٌ أصيل، ارتسمت على وجهه ملامحُ المصرى بكل ما فيها من العزيمة والصبر والقوة والشجاعة وحمَل قلبُه الطيبُ الرقيقُ الكثيرَ لشعبه وبلاده، وضعته الأحداث فى ظروف صعبة وبدأ رئاسته بامتحان عسير لا يستطيع اجتيازه إلا القليل، فتصرف بعبقريةٍ شديدة ومات والناسُ حولَه مختلفون بين مؤيدٍ ومعارض، لكن التاريخ أبَى إلا أن يُنصِفه ويعيدَ إليه حقه المسلوب.

وقبل أن أستطرد فى الحديث فإنه من الإنصاف ـ حينما نتعرض لسيرة قائد أو زعيم بالنقد والتحليل من أجل التقييم ـ أن نضعه فى ظروف عصرِه التى عاشها والمعطيات والأحوال الداخلية والأوضاع الدولية فى ذلك الوقت والإمكانيات التى كانت متاحةً له وكيف تَصرّفَ من خلالها والنتائج التى حققها من خلال تعامُلِه مع تلك المعطيات.

ورِث السادات ظروفاً قاسيةً بعد وفاة عبد الناصر لم تشهدها البلاد من قبل، فسيناء احتلتها إسرائيل والجيش فقد الكثير من جنوده ومعداته ومعنوياته فى67 والشعب محبط فلا يكاد يخلو مكان فى مصر من شهيد أو مصاب، والاقتصاد أنهكته الحرب، والحصول على السلاح اللازم للمعركة أمر بالغ الصعوبة، والشارع المصرى بعد هذا كله يغلى مطالِبا بالثأر متهماً السادات بالتلكؤ والتهرب من المسئولية.

تقدّم السادات وتحمّل المسئولية فى تلك الظروف الصعبة وتحلى بدرجةٍ عاليةٍ من الصبر أمام كل الضغوط والاستفزاز، عمِل فى سرية تامة تحت ظروف قاسية، يعد العدة للمعركة الفاصلة حتى فاجأ الجميع فى السادس من أكتوبر سنه 73 بضربة موجعة لإسرائيل وهى معجزة عسكرية حقاً لجيش استطاع أن يُعيد بناءَ نفسه فى ست سنوات فقط بعد الهزيمة وينتصر.

بعد الحرب أراد السادات السلام الشامل الدائم للجميع فدعا أطرافاً عربية للتفاوض فرفضت، دخل فى مفاوضات مع الجانب الإسرائيلى انتهت بتوقيع معاهدة السلام، وبعدها تعرض السادات لحملة شرسة داخليا وعربيا، ففى مصر انقلب الكثيرون عليه ووصفوه بالخيانة وقذفوه بأبشع الألفاظ  وخرجوا بالمظاهرات وانتشرت التيارات المختلفة التى أدخلت البلاد فيما يشبه حالة الفوضى، شيوعيون وناصريون وإسلاميون وغيرهم وفتنة طائفية كادت أن تشتعل وجامعات حوّلها المغرضون إلى ساحة حرب وأبواق مسعورة تأكل فى جسد الوطن، وعربيا قاطعت معظم الدول العربية مصر ونقلت مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.

وقف السادات يتألم مما يحدث أمام عينيه من بعض أبناء وطنه وعروبته  فلم يكن يتوقع أبدا أن يكون هذا هو جزاءُ ما قام به من عمل عظيم فى الحرب والسلام، لقد تأثر كثيراً مما رأته عيناه وسمعته أذناه من بشاعة وقسوة عليه فتحول فى أواخر أيامه إلى الصوم والعزوف عن الطعام.

بدأ السادات يوم استشهاده نحيلاً شاحباً وفى قلبه لومٌ وعتابٌ على بعض بَنى وطنه وعروبته الذين أنكروا عليه ما صنع وقذفوه بأبشع الألفاظ وأقبحها  وجردوه من بطولة هو بها أحقُ وأجدر، ولو كانوا مكانه وفى الظروف القاسية التى تحمّلها ما فعلوا شيئاً أكثر مما فعل.

وقف السادات بطلاً شجاعا أمام رصاصات غادرة، لم يتألم منها لكن ما آلمه وأدمى قلبه حقاً ما وجده من نُكرانٍ وجحودٍ من أشخاصٍ كان يتمنى أن يُقدّروا ما فعل.

مات السادات وهو يشعر بمرارة ظلمٍ شديدٍ وقع عليه بعدما تحمّل المسئولية فى ظروف صعبة لم تمر بها البلاد من قبل، وقتَ أن كانت الأنظار تتجه إليه وحدَه وتستعجله ماذا أنت بفاعل؟! لكنه كان على قدر المسئولية  فحارب وانتصر وشاء الله عزّ وجل أن يكتب له الشهادة يوم نصره وبين جنوده، مات السادات وهو يعلم أن التاريخ سيلفظ الخونة والجبناء وسيعيد له حقه المسلوب  ويسجل بأحرف من نور سيرة أبطالٍ ضحُّوا بكل شىء من أجل وطنهم فكان له ما أراد، مضت السنون وأيقن الجميع كم كان السادات صاحب رؤية ثاقبة وبُعدِ نظرٍ تخطّى حدود عصره.

واقتبس هنا بعضاً مما قاله السادات فى خطابه الشهير أمام مجلس الشعب  عقب العبور، وهى عبارات تثبت أصالة معدنه وقدرته على  تحمُّل المسئولية ووفاءَه بعهده حين قال (عاهدتُ اللهَ وعاهدتُكم على أن جيلَنا لن يُسَلِّم أعلامَه إلى جيلٍ سوف يجئ من بعده مُنكّسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعةً هاماتُها، عزيزةً صواريها، وقد تكونُ مخضبةً بالدماء، لكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية ً فى السماء وقتَ أن كانت جِباهنا تنزف الدمَ والألمَ والمرارة، عاهدتُ اللهَ وعاهدتُكم على ألاّ أتأخرَ عن لحظةٍ أجدُها ملائمة، ولا أتقدمُ عنها، لا أغامر، ولا أتلكأ، وكانت الحساباتُ مضنيةً والمسئولية فادحة، لكننى أدركت ُكما قلت لكم وللأمة مراراً وتكراراً أن ذلك قَدَرى وأننى حملته على كتفى عاهدت ُاللهَ وعاهدتُكم وحاولتُ مخلصاً أن أفى بالوعدِ ملتمساً عونَ الله).

تحية فخر وإعزازٍ وتقديرٍ إلى روح بطل الحرب والسلام والى أرواح شهدائنا الأبرار الذين روت دماؤهم الزكية تراب سيناء الطاهر لتكتب لنا ملحمة حب ووفاء وتضحية وفداء من اجل عزة مصر وكرامتها.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة