داليا مجدى عبد الغنى تكتب: لا تمحو الأثر

الإثنين، 29 أكتوبر 2018 03:12 م
داليا مجدى عبد الغنى تكتب: لا تمحو الأثر داليا مجدى عبد الغنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أغلب الأحداث التى تمر على الإنسان، تترك أثارها عليه، إما بالسلب أو بالإيجاب، مثل الجروح التى عادةً تترك أثارها على الجسد؛ لكى تؤكد وُجودها، فالألم قد يزول، أما الأثر، فيأبى أن يختفي، لكى يُذكر الإنسان دائمًا بأنه ليس مُستعصيًا على الجُروح والآلام، قد نسعى بكل ما أُوتينا من قوة لكى نهرب من آلامنا، ولكى نُجمل أثار جُروحنا، ولكن شيئًا ما يبقى؛ لكى يُذكّرنا بسبب الجرح، وقدر الألم، ولكن الفطِن فقط، هو من يترك الأثر لكى تظل الحكمة من الجرح أمام عينيه، فليست كل الجراح تستحق النسيان، فأحيانًا الجرح هو الذى يجر الفرح، وهنا يكون الأثر أجمل ذكرى فى حياة الإنسان؛ لأنه كان بداية فرصة.

فهناك رجل رفض أن يمحى أثر حادث لسيارته؛ حتى تظل الحكمة من الحادث نُصب عينيه، فقصة هذا الرجل، بدأت عندما كان يسير فى أحد الشوارع بسيارته الجديدة، فضُربت سيارته بحجر كبير من على الجانب الأيمن، فأسرع بالنزول من السيارة، ليرى مدى الضرر الذى أصابها، وليعرف من هو الفاعل، فإذا به يرى طفلاً يقف فى زاوية الشارع، تبدو عليه علامات القلق والخوف، ففهم الرجل أنه هو من فعل هذا بسيارته، اقترب من الولد، وهو يكاد يشتعل غضبًا وقهرًا على سيارته الجديدة، فقبض عليه، دافعًا إياه إلى الحائط قائلاً: "يا لك من ولد جاهل، لماذا رميت الحجر على سيارتى الجديدة؟!"، فأخذ الولد يبكى بحُرقة، ويعتذر للرجل، قائلاً: "أنا متأسف جدًا يا سيدي، لكننى لم أدرِ ما العمل، فأنا أحاول منذ فترة طويلة أن ألفت نظر أى إنسان إليّ، ولكن لم يقف أى أحد لمُساعدتي"، ثم أشار بيده إلى الناحية الأخرى من الطريق، وإذا بولد نائم على الأرض، ثم أكمل الطفل حديثه قائلاً: "إن الذى نائم هناك على الأرض، هو أخى الصغير، لا يُمكنه المشى أبدًا، فهو مُصاب بشلل كامل، وبينما كنت أسير معه، وهو جالس على كرسى مُتحرك، اختل توازن الكرسي، وإذا به يهوى فى هذه الحفرة، وأنا صغير، لا يُمكننى أن أرفعه وأنقذه، حاولت كثيرًا، ولكن لم أستطع بأى طريقة.، أتوسل إليك يا سيدي، هل يُمكنك مساعدتى فى إنقاذ أخي، لقد أصبح له فترة من الزمن هكذا، وهو خائف جدًا، وبعد ذلك يُمكنك أن تُعاقبني، كما تشاء على الحجر الذى ضربته بسيارتك الجديدة".

لم يستطع الرجل أن يُجيب على هذا الطفل، ولم يستطع أن يمسك دموعه، فأسرع إلى الولد المشلول، وأخرجه من الحُفرة، وأجلسه على الكرسي، ثم أخذ منديلاً من جيبه، وأخذ يُضمد جُروح الولد؛ بسبب سقوطه فى الحُفرة، وبعد انتهائه، سأله الولد الأول، قائلاً: "ماذا ستفعل بى من أجل سيارتك يا سيدي؟" فأجابه الرجل والدموع تترقرق فى عينيه: "لا شيء يا بُني.، لا تأسف على السيارة".

ولم يقم الرجل بإصلاح سيارته منذ هذا اليوم، ففضل أن يبقى هذا الأثر عليها دائمًا، عسى ألا يضطر شخص آخر أن يرميه بحجر لكى يلفت انتباهه، فما حدث له جعله يُدرك أن الأثر الذى حدث لسيارته، والذى غضب واستشاط من أجله، لا يُساوى شيئًا بجانب الآلام التى يشعر بها الآخرون، وأن هذا الحجر هو الذى وضعه فى عون الآخرين، وكم وجد من سعادة فى مساعدة غيره.

فالأثر هو الذى يُذكِّرنا دائمًا بلحظات حياتنا الحقيقية، فلا تحزنوا على الأثر الذى تتركه الجراح، فالأثر إذا غاب، فلن يكون هناك معنى أو حكمة من الجراح، فإذا أردت أن تتعلم، وتستفيد، فلا تمحو أثار جراحك.

 

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة