د. أشرف مُحمَّد نَجيب يكتب: الذهن المشتت

السبت، 27 أكتوبر 2018 02:00 م
د. أشرف مُحمَّد نَجيب يكتب: الذهن المشتت مواقع التواصل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصبحنا نعيش فى عالم لم يكن بالإمكان حتى تخيله قبل عقود قليلة من الآن، عالم يقضى فيه البالغون 10 ساعات يوميا على الأقل متصلين بالإنترنت، وهو عالم من الشاشات الإلكترونية، والمعلومات الفورية، أو بعبارة أخرى عالم التشتيت الرقمي.
وأصبح الإنسان المعاصر كأنه دائما "تحت الطلب" لاستقبال رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية، وتحديثات الحالة،، تحولنا إلى مجتمع من الأذهان المشتتة؛ فعملية المقاطعة الرقمية المستمرة والمعلومات التى تزيد عن الحاجة تفتت انتباهنا وتشتته وتعوق تركيزنا، والجيل الحالي، أو بعبارة أخرى جيل الشاشة يراقب عن كثب التدفق السريع للمعلومات، إنهم يستيقظون على صوت منبه الهاتف، ويتصفحون آخر الأخبار والشائعات على الجهاز نفسه، إننا لا نستخدم الإنترنت وإنما الإنترنت هو الذى يستخدمنا ويرغمنا على القيام بمهام متعددة فى الوقت نفسه مما يؤدى إلى زيادة الأخطاء أثناء معالجة المعلومات، وأصبحت وسائل الإعلام الاجتماعى تحوز الكثير من انتباهنا، وتضع طنينا متواصلا فى الخلفية، ويعد الانتباه وعاء الذهب الذى نبحث عنه جميعا لكى نكون أكثر إنتاجا، وأقل توترا.
 
تستقبلُ المراكز الحسية فى الدماغ آلاف المدخلات البيئية، بعض هذه المدخلات متصلٌ ومرتبطٌ بالسلوك الحالى للشخص، وبعضها الآخر غير ذى صلة؛ فمثلًا تتصل الكلمات المرئية المطبوعة على صفحة بعملية القراءة، ولكن الانطباع البَصرى للمكتب الموضوع عليه هذه الصفحة يكون غير متصلٍ بالقراءةِ؛ ولأننا لا نستطيع مُعالجة كل هذه المُدخلات بشكلٍ مُتصاحبٍ، فَيجب أن يكون هناك عمليات أو مُعالجات تنتقى بعض هذه المدخلات، وتستبعد الأخرى، تلك المعالجات (العمليات) يُشار إليها إجمالًا بالانتباه أو بعبارة أدق " الانتباه الانتقائي".
 
إنَّ الذهن حينما يشرد عن اللحظة الراهنة وينتبه إلى أشياء أخرى، فإن ذلك يمنع أو يُعوِّق الصحة النفسية للفرد؛ فالشرود عن اللحظة الراهنة بالاندماج والانخراط سواء فى الماضى أو المستقبل، يأخذ انتباه الشخص، ويُؤثر فى كفاءة تعامله مع الخبرة الراهنة، ويؤدى -غالبًا -إلى أخطاء ذات أساس معرفى تعوق مهمة الهناء الشخصي، 
الإنترنت يستحوذ على انتباهنا ليشتته فقط، يدمر كل من الانتباه المنقسم والتشتيت الرقمى قدراتنا الإنتاجية، بل إن 70% يشعرون بالقلق عندما لا يكونون متصلين بالإنترنت، يتفقد كثير من الناس هواتفهم أكثر من مرة كل 15 دقيقة وبذلك لا تترك المقاطعات العديدة وقتا للتفكير.
 
وتجذبنا مواقع التواصل الاجتماعى وتبدد انتباهنا؛ لأنها أداة اجتماعية ويشغلنا قضاء الكثير من الوقت فى بناء وتحسين هويتنا الإلكترونية، ويجعلنا " الخوف من التفويت" نتفقد المواقع طوال الوقت، تحسبا لحدوث أى شيء جديد ويعتبر الأصدقاء من أكبر مصادر التشتيت على مواقع التواصل الاجتماعي، نقرأ تحديثات حالتهم، ونشاهد صورهم، ولكننا فى الواقع بالكاد نعرفهم، إنها صداقات " حياة الشاشة"، أصبحنا نتخلى عن عادات المقابلة وجها لوجه، وتكوين صداقات " الحياة الواقعية"، وفقدنا الألفة مع الآخرين والاستماع إلى أصواتهم، ورؤية وجوههم، 
والتشتت الرقمى تحول من سلوك مزعج إلى سلوك محفوف بالمخاطر لاسيما عند القيادة، إنك أكثر عرضة بمقدار أربعة أضعاف للتعرض للحوادث فى أثناء القيادة وأنت تتحدث فى الهاتف، ويصبح الخطر أكبر عند كتابة رسائل نصية تصبح أكثر عرضة بثمانية أضعاف للتعرض للحوادث من السائق غير المشتت.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة