ها هو صيف ٢٠١٨ ينقضى ويبدأ فصل الخريف معلنا معه حلول عام دراسى جديد ولكنه عام من نوع خاص، عام يعد مختلفا عما سبقه من أعوام ماضية. عام يحمل الكثير من الطموحات الكبيرة فى إرساء القواعد ووضع حجر الأساس لنظام تعليمى مصرى جديد من خلال خطة طموحة تهدف فى الأساس إلى خلق أجيال قادرة على التعامل بشكل أكثر فاعلية واحترافية مع التحديات المتسارعة التى يمر بها التاريخ الإنسانى.
نعم، الكل ينظر بترقب وحذر شديد لهذا التغيير. الكل يضع يده على صدره ويشعر بتلك النبضات المتسارعة التى تخفق فى قلب من يتعامل مع هذا التغيير عن قرب. الكل خائف ومنتظر ما ستسفر عنه تلك التجربة التى يراها البعض بارقة أمل جديدة فى طريق موحش من جهة، ويرى البعض الآخر فى تلك التجربة مجازفة كبيرة خاصة وأنها تأتى فى زمن غابت فيه الثقة بين الجميع وبات الكل يتشكك فى كل مبادرة جديدة أو محاولة للإصلاح.
ولعلنا لا نستطيع أن ننكر أو نتجاهل هذا القلق الموجود لدى البعض وخاصة أولياء الأمور الذين أنهكهم السعى من أجل توفير أفضل فرص لتعليم أبنائهم ولكن غاب عنهم التوفيق لغياب الرؤية السليمة للهدف الحقيقى من التعليم. لا يستطيع أحد أن ينكر تلك الرغبة الجامحة لدى الجميع لتوفير بيئة تعليمية حقيقية لأبنائه. الكل يدعم ذلك ولكن فى نفس الوقت...يترقب بحذر. ذلك الحذر الذى دفع البعض إلى رفض هذا التغيير لمجرد الخوف من المجهول!
والناظر لتلك الحالة من القلق والخوف يرى أنها نابعة من عدة أسباب لعل أبرزها : هو عدم إدراك طبيعة هذا التغيير المنشود وما سوف يحققه من أهداف. والسبب الثانى : هو أن أى تغيير يطرأ على النظم التعليمية يحتاج لبعض الوقت لجنى ثماره، وهو الأمر الذى يتعارض مع رغبة البعض فى رؤية النتيجة على وجه السرعة.
دعونا اذاً نحاول سوياً فهم أبعاد ذلك التغيير المنشود بشكل علمى مبسط حتى نستطيع الحكم بشكل أكثر احترافية. دعونا نوضح بشكل علمى الفارق بين ما كان من نظام تعليمى سابق وبين ما تطمح إليه خطة التطوير.
لكى نقوم بتبسيط الأمر للجميع، هناك ببساطة ما يسمى " تصنيف الأهداف التعليمية" وهو التصنيف الذى يسعى لتوضيح مستويات الأهداف المنشودة من الدراسة. ذلك التصنيف الذى يسعى لتوضيح طبيعة المهارات التى من الممكن تنميتها واكتسابها من خلال الدراسة. هذا التصنيف يأخذ الشكل الهرمى (كما هو موضح فى الصورة)، أى أن كل مهارة وهدف يعتمد على ما قبله من أجل الوصول إليه. وكما نرى فإن "التذكر" يُعد المستوى الأدنى فى هذا الهرم بينما يأتى الابتكار فى المستوى الأعلى.
بالنظر إلى هذا التصنيف، ومن خلال تقييمنا للنظام التعليمى السابق، فإننا نستطيع القول بأن النظام السابق كان يتوقف عند أدنى مستوى من أهداف التعلم وهو "التذكر". فكانت المناهج وطرق التدريس تهتم فى الأساس بالحفظ والتلقين، وهو الأمر الذى عانى منه الجميع. كانت الاختبارات والتقييمات تقوم على قياس قدرة الطالب على تحصيل المعلومة فقط دون تقييم لقدرته على توظيف تلك المعلومة أو الاستفادة منها بشكل أكثر فاعلية. وللأسف صُوّر للبعض أن هذا هو أقصى ما يمكن الوصول إليه من التعليم!
أما فى هذا النظام الجديد، أصبح الاهتمام ينصب على كيفية الوصول للدرجات العليا من أهداف التعلم. يسعى هذا النظام الجديد إلى خلق أجيال قادرة على الفهم والتطبيق والابتكار. إنه فى الأساس نظام لا يتوقف على تحصيل المعرفة فقط بل يهتم بكيفية توظيف المعلومات ووضعها فى أطر جديدة من شأنها مساعدة الطالب على تنمية العديد من المهارات والقدرات المتعددة طيلة سنوات الدراسة بالمدرسة.
نعم، سنرى تغييرا فى طبيعة العمل داخل المدرسة. سنرى أعمالا يجب على الطالب التفاعل معها تختلف عما تعودنا عليه فى السابق. سنجد أنفسنا غير معتادين على تلك النوعية من الأعمال والتقييمات. سينتابنا القلق مجددا خوفا على أبنائنا. إلا أن ذلك ليس عيباً فى النظام ولكن بسبب اختلاف الهدف وسبل تحقيقه من خلال هذا النظام الجديد، عما تعودنا عليه فى السابق. ذلك الهدف الذى يأتى متوافقاً مع أعلى معايير الجودة العالمية فى التعليم.
إنه من الأهمية بمكان أن ندرك أن تحقيق تلك النتيجة لن يأتى سريعا، إنما تُبنى تلك المهارات فى الأساس على وضع الطالب فى العديد من المواقف والأنشطة التعليمية المتنوعة التى تدفعه إلى التفكير وتنمية مهارات جديدة. ومن ثَمّ، فإننا سنستطيع أن نجنى ثمار تلك التجربة خلال سنوات الدراسة المتتابعة.
وجملة القول، فإن ندائى للسادة أولياء الأمور، تمهلوا، تدبروا قليلا قبل الحكم على التجربة. ادعموا تلك الخطة الطموحة فإن مصير أجيالنا القادمة متوقف على تفاعلكم الإيجابى مع تلك الخطة. تفاعلوا بإيجابية، انزعوا الخوف من قلوبكم، كونوا على يقين بأن ما تقوم به الدولة هذه المرة هو بحق أسمى ما يمكن أن تقدمه دولة لأبنائها فى ظل كل تلك التحديات التى نمر بها. لا تتشبثوا بنظام تعليمى سابق صُنف بأنه الأضعف عالميا لمجرد خوفكم من التغيير.
قدر الله أن تقع على عاتقكم تلك المسئولية السامية، فلا تكونوا سبباً فى الإخفاق، بل كونوا سنداً ودعماً لبارقة أمل جديدة لهذه الأمة... لأن بلدنا يستحق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة