د.داليا مجدى عبد الغنى تكتب: اللغة الضائعة

الخميس، 04 يناير 2018 02:00 م
د.داليا مجدى عبد الغنى تكتب: اللغة الضائعة د.داليا مجدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أظن أن هناك لغة ضاعت بين جميع البشر، فنحن أصبحنا نهتم بشكل كبير باستيراد أغلب لغات العالم لكى نتعلمها ونتحدث بها، ونتباهى أيضًا بإجادتها، فقديمًا من كان يجيد التحدث بلغتين بخلاف لغته الأصلية كان يعتبر نفسه من أباطرة المثقفين، أما الآن فقد شهدنا طفرة كبيرة فى عدد مراكز تعلم اللغات بشتى أنواعها، ولكن فى خضم هذه الطفرة الهائلة ضاعت منا أهم لغة وهى "لغة الحوار"، فنحن نتعلم الكلام منذ نشأتنا، ونتعلم اللغات على مر حياتنا، ولكن للأسف نكتشف أننا نتعلمه من أجل التعليم والشهادات، وربما العمل فقط، أما "الحوار" فأين هو، فأين لغة الحوار بين الناس، فاللغة التى أصبحت سائدة الآن هى "لغة الصمت" أو "الخلاف"، فكل شخص أصبح يتعامل مع هاتفه الذكى يكتب ما يريد ويرسله عبر وسائل السوشيال ميديا، وإذا حدث حوار فى المنزل أو العمل غالبًا ما يكون خلاف لا حوار هادئ يهدف إلى الوصول إلى حل مشكلة، أو طرح موضوع ثقافى أو غيره، وكذلك البرامج الحوارية أصبحت مبنية على الخلافات والانتقادات ونشوب النزاعات، لدرجة أن نجاحها أصبح مرتبطًا بهذه النوعية من الموضوعات، والغريب فى الأمر أننا ندعى التطور والتقدم، ولكن إذا عدنا بالزمن إلى الوراء سندرك أننا تأخرنا جدًا، فربما نكون تقدمنا تكنولوجيًا بفضل استيرادنا لما يصنعه الغرب من أجهزة إلكترونية وتكنولوجية، ولكن قديمًا كنا نُعد الندوات الثقافية والأدبية وأيضًا المقاهى التى تجهز الندوات الثقافية، وكان يحضرها جميع طبقات المجتمع دون تفرقه بينهم، لدرجة أن الشهادات العلمية لم تكن هى الدليل على الثقافة والعلم ؛ لأن الأُمِّى كان يُثقف نفسه من خلال الحوارات التى يسمعها ويتدخل فيها، أما الآن أين الحوار، فأغلب تعاملاتنا أصبحت قرارات سواء عائلية أو عملية أو غيرها، ونكتفى بإبلاغ قراراتنا لبعضنا البعض، وإذا حدث وتجادلنا بشأنها يتحول القرار إلى بذرة نشوء الخلاف والنزاع.

وتُضحكنى جدًا الجملة القائلة : "الخلاف فى وجهات النظر لا يُفسد للود قضية"، فلو ركزنا سنكتشف أن دائمًا الخلاف فى الرأى يقطع العلاقات بين البشر، مهما كانت قوة هذه العلاقات، وتفاهة الخلاف الذى حدث بينهما، فنحن نُردد هذه الجملة كتعبير عن ثقافتنا وسعة صدرنا، فى حين أننا لا نطبقها فى الواقع العملى على الإطلاق ؛ والسبب ببساطة أنه لكى لا يُفسد الود لابد من وجود حوار محترم وراقٍ بين المتناظرين، وألا يُقحموا الأمور الشخصية فى القضية المتداولة، ولكن للأسف لا يوجد من يستطيع فعل ذلك وإذا حدثت المعجزة وتواجد هذا الشخص يُتهم بالبرود أو النفاق أو السلبية، وكأن العناد والصوت المرتفع والعصبية دليل على الإيجابية، والرأى الحر. نحن للأسف لكى نتحدث عن الديمقراطية والتقدم والحرية، لابد أولاً أن نتعلم أصول لغة الحوار، فالحوار هو بداية أى شيء ناجح وسبب أى فشل فى أى علاقة، فأين نحن من لغة الحوار.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة