محمود حمدون يكتب: ميزان من ذهب

الأربعاء، 31 يناير 2018 12:00 م
محمود حمدون يكتب: ميزان من ذهب ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تذكّرته بعد عشرات السنين كأنه الأمس القريب، رغم قربى منه فترة طويلة من حياته، أجزم أن معرفتى به زادت من حيرتى فأحيانا أراه أبّلها تائها عن الدنيا والناس من حوله، أوقاتا أخرى عاقلا يزن تصرفات وكلام الناس بميزان من ذهب  .

يصمت أغلب يومه فتحسبه أصمّا، ثم ينطلق فجأة فى الحديث كشلّال جارف فلا يتوقف حتى يذهب الناس من حوله  .

على أن حيرتى بلغت مداها حينما رأيته، هو الكليل البصر النحيف حتى تحسبه عرجون نخل قديم تذروه ريح شديدة فى يوم عاصف، ينحنى ليتخيّر "طوبة" حجرا مما يثقل وزنه ثم، فيقذف به فى الهواء مرات متتالية ويلتقطه بيمينه، يدور بعينيه بحركة بطيئة حتى يتوقف أمام هدف بذاته، يرفع يده فى شكل قوس واسع ثم يُلقى بالحجر بثبات وقوة غريبتين على بنيته الجسدية الضعيفة .

من عجب أنه لم يرم مرة هدفا إلاّ وأصابه، فيتفتت إن كان لوح زجاج أو يترك به ندبة لا يمحوها الزمن إن كان جدارا ولو من ملاطّ مسلّح، فإن كان بشرا ساقه الحظ العاثر بطريقة فالإصابة قاتلة فإن نجا عاش صاحبها بعاهة بقية حياته  .

وقد اعتقدت فترة من الزمن بعشوائية اختياره لمرمى أحجاره الطائرة، ثم زادت حيرتى حينما تتبعّته وأدركت أنها خيارات فُرضت عليه، كان الأطفال يلهون معه لهوا مرّا سمجا يتطور بنهايته لرميه بأحجار صغيرة كما لو كانوا يردّون له الصاع صاعين أو يزيد .

فكان يبتسم ويرفع يديه كأنما يمسك الهواء أو يتحسس جسما غير مرئى ثم يتثنّى بانحناءته المشهورة عنه والتى تلقى الروع فى قلوبنا، عيوننا تتبع حجره يندفع  بالهواء .







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة