أحمد مصطفى يكتب: جيم جنة وجيم جحيم

الثلاثاء، 02 يناير 2018 04:13 م
أحمد مصطفى يكتب: جيم جنة وجيم جحيم أحمد مصطفى
اعداد : وائل السمرى - خطوط أحمد فايز - رسوم أحمد خلف - شارك فى إعداد الملف أحمد عصام - عباس السكرى - محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قناعة الإنسان بمكانته من العالم تعد من أعظم النعم التى تعين الإنسان فى سعيه للتعرف على أرض الرضا والطمأنينة.
 
ولكن كيف السبيل للوصول إلى هذه الأرض ومعرفة أهلها، وما يجمعون عليه من شروط وأحوال تحكم فيما بينهم بالحق بلا شطط أو استثناء؟
إن كثافة الطرق التى تنسج ظواهرها فى الأحياء والجماد، ليعبِّروا عن أنفسهم من خلال وجود قوى متناقضة، ومع ذلك فهى متكاملة على نحوٍ يؤكد دوامية القول الثابت «سبحان الذى خلق الأزواج كلَّها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون».
 
ومع فهم دوام تلك الحقيقة فى كل شىء بلا استثناء، مثل الذكورة والأنوثة، النور والظلمة، الحرارة والبرودة، الموجب والسالب، الشحنات السالبة والموجبة فى علاقة البروتونات والإلكترونات فى تركيب الذرّة، إلى آخر الأمر فى طبيعة اختلافات الأزواج الكونية التى لا تحصى، مما يجعل الوصول إلى أرض الحقيقة الكونية يبدو أمرا متعذرا إن لم يكن مستحيلا، ومع ذلك فهو فى حكم الممكن، فكيف يتسنَّى ذلك؟ وكيف نفهمه على نحو سليم؟
 
إن من أقصر الأساليب وأبلغها للإجابة عن تلك التساؤلات هو ما يصرِّح به أندريه مالرو قائلا: «إن السماء لتبارك هؤلاء الناس الذين إذا ما انقضت رحلتهم على الأرض ووهِبوا تلك الرحلة الأرضية مرةً ثانية، لم يبدِّلوا شيئا مما كانت عليه حياتهم الأولى»، إن مفاد ما يتضمنه هذا التصريح الرائع هو الإشارة إلى سِمة مهمة فى إدراك هؤلاء الناس تجعلهم يعيشون حياتهم فى توافق مع المعنى الكونى الثابت الذى يسميه القرآن الكريم «سنَّة الله» التى لا تتغير ولا تتبدل، وبالتالى فإن حصاد ما يزرعه هؤلاء الناس فى رحلة حياتهم، مهما تعددت، لا تتغير ولا تتبدل، لصدور خبرتهم عن حقائق ثابتة غير مفتعله، ولا يمكن للإنسان أن يتعرف على النافذة المطلَّة على هذا الموقف الفارق إلّا بالتضرّع طلبًا للعون حتّى ولو بإشارات بسيطة توجّه شهيّته نحو الخبرة الحقيقية التى أقامها فى الأكوان من «خلق كل شىء فقدَّره تقديرًا» سبحانه، عندئذ تتنزل عليه كل قوى المعنى فى شتَّى صور الحرف الموحى من كلمات وآيات ليعرف كما عرف محمد بن عبدالجبار النِّفَّرى، رحمه الله، منذ أكثر من عشرة قرون أن: 
 
«الحرف يسرى حيث القصد، جيم جنَّة جيم جحيم»، ويسأل الرَّب عبده: من أهل النار؟ فيجيب العبد: أهل الحرف الظاهر، ويسأل الرَّب: من أهل الجنَّة؟ فيجيب العبد: أهل الحرف الباطن، وتتوالى الأسئلة والإجابات بين الرَّب والعبد على النحو التالى.. الرَّب: ما الحرف الظاهر؟ العبد: علم لا يهدى إلى عمل. الرَّب: ما الحرف الباطن؟ العبد: علم يهدى إلى حقيقة. الرَّب: ما العمل؟ العبد: الإخلاص. الرَّب: ما الحقيقة؟ العبد: ما تعرفت به «عليك»، الرَّب: ما الإخلاص؟ العبد: «كل ما هو» لوجهك. الرَّب: ما التعرف؟ العبد: ما تلقيه إلى قلوب أوليائك. إن مثل ذلك الحوار بين الرَّب والعبد، كما يورده النِّفَّرى فى كتاب المواقف والمخاطبات، يكشف لنا عن عمق المعانى المرتبطة بخلق أزواج كل شىء على النسبة والتقدير «إنا كل شىء خلقناه بقدر»، وقد أدَّى ذلك إلى حثّ المسلمين للتعرُّف على القانون الكونى الذى يؤلف بين الشكل والمضمون، فتحققوا بعلم كشف لهم عن قناعة تامّة وحكمة بالغة مدى ضرورة كتابة التنزيل القرآنى بلسان عربى بنفس معايير التناسب والتقدير التى أودعها الخالق سبحانه فى كل ما خلق، وفى تلك الرحلة أمضيت حياتى.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة