لظرف ما كنت فى مكان فى وسط البلد بالقرب من ميدان رمسيس، واشتد الزحام لدرجة يصعب معها التحرك والمرور وسط الباعة المفترشين الأرض والمحتلين الطريق، فلا يستطيع سائر أن يسير بقدميه الاثنين فى ممر يسمح لزوج حذائه بالاستقرار على الأرض.
السيارات تمر على استحياء حيث تضايق مستعمرى الطريق، فيسبهم ويوبخهم المستعمرون جزاء لاقتحام أرضهم أقصد "شارعهم الملك"، المهم؛ بعد البحث الطويل والتنقيب العميق، وجدت ممرا خاليا من البشر، فذهبت إليه سعيدة وراضية، واكتشفت على الفور أنه موصد بحقيبة من حقائب البائع.
وأنا كنت لم أعد أحتمل الزحام والضوضاء لدقيقة إضافية، فقررت أن أقتحم حصون العدو وأمر من الممر اللعين وأسترجع سيادتى على الرصيف وأدك الحصن "الحقيبة".
فاستوقفنى البائع المستملك بالقوة المسيطر بافتراء "يا أستاذة، يا آنسة، تعالى كدا، إنتى رايحة فين؟"
فرددت عليه؛ "هأعدى".
فقال: "طب تعالى بس، ثانية واحدة، حاجة مهمة".
وهو يتوسل بكلتا يدين ألا أهد حصونه (الحقيبة)، حتى ظننت أن الأمر حقيقى ومهم، بالفعل، فعدت محاولة تمالك أعصابى، مقررة أن أسمع دفاعه، وبعد أن أصبحت خارج الممر، وقف أمامى مغلقا الممر، مكونا سورا للقلعة، حتى لا أتمكن من الدخول، ووقف يقول: "ليه كدا يا أستاذة؟ ده أنتى شكلك متعلمة كويس!".
فقلت بصوت عال: "علشان أنا متعلمة، عارفة إن من حقى إنى أعدى من هنا، وأنتم محتلين الشارع، وحتى التلاتين سنتى اللى بنعدى منها قفلتها بشنطتك".
فعاد يردد هو وزملائه من المحتلين "مع إنك شكلك متعلمة، ده إنت شكلك متعلمة كويس، إهدى يا آنسة، ده بيقوللك إنتى متعلمة".
ماذا أنتظر من حفنة من المحتلين المستملكين بالقوة، شارع من أهم شوارع بلدنا، ويرون السائر على رجليه، مقتحما لأرضهم، مذنبا فى حقهم.
وماذا أنتظر من جماعة ترى المتعلم؛ خانعا منساقا مستكين قهرا يضيع حقه، كما كانت أفلام السينما ولا تزال تخرجه فى صورة الأبله الجبان، وخصوصا بجملة معلم القهوة الشهيرة؛ "فاكرنى تلميذ؟".
وماذا أنتظر من أناس يتمسكون بجملة؛ يا آنسة، على الرغم من وجود ابنتى، والتى ولعدة مرات قالت لى "خلاص يا ماما معلش، خلاص يلا يا ماما".
ماذا أنتظر من أناس يرون المرور فى الشارع بإزالة حاجزهم بربرية لا تناسب المتعلمين، وبلطجتهم واستعمارهم للطريق أمر هين وحق لهم.
كلما مررت من مكان مشابه ممتلئ عن آخره بزحام مقصود بسبب باعة مماثلين، أشجب وأوبخ، ولا أذكر ولو مرة واحدة، أن أحدهم شعر بالذنب أو بأنه يأخذ حقا ليس له.
تكون الردود عادة "كل سنة وأنتى طيبة بقى، طب معلش أنا آسف (بالطبع بصيغة سخرية)، والأغلب الأعم منهم يقولون "هى جت عليا أنا؟".
إلى متى سنظل فى عمق الخندق المسمى "الجانى يدعى البراءة، والمجنى عليه المتهم بالجريمة".