قد تُجبرك الحياة على شكل معين لا ترضاه، وقد يُجبرك الآخرون على التعامل بصورة لا ترضاها ، فالحياة دائمًا لا تسير على ذات النهج أو المنوال ، فهي كالمسرحية ، لها العديد من الفصول والمشاهد ، وقد لا تكون جميع المشاهد في صالحك ، ولكن المهم هو "المشهد الأخير" ، فهو الحاسم لجميع أحداث المسرحية ، والذي قد يُغير جميع المواقف تمامًا ، فليس المهم أن يكسب الإنسان معركته ، أو حتى عدة معارك ، ولكن المهم أن ينتصر في النهاية ، وتكون نهاية الحرب لصالحه .
وكما قالوا قديمًا : "العبرة بالخواتيم" ، فإذا أحس الإنسان أنه لا جدوى من الدخول في معركة معينة وأن نتائجها لن تصل به إلا إلى النهاية المُبكرة ، فما معنى أن يجعل حياته مُتوقفة على مُعجزة ، قد لا تحدث على الإطلاق ، فمجرد التعامل مع أمور أو أشخاص يُحاولون تهميشه ، والقضاء عليه ، وقتل أجمل ما فيه ؛ من أجل الصعود على جثته ، يعتبر "موت مع إيقاف التنفيذ" ، وهذه الحياة لن تصل بصاحبها إلا إلى الدمار ، وإذا كان يأمل أن يُغيرهم ، فهو يستهلك طاقة في الهواء ، فهؤلاء لن يُغيرهم إلا الزمن ، فمن لا يُقدر الحب والتضحية والعطاء ، ويظنهم دربًا من دروب الضعف ، فلن يرى سوى المشهد الأخير ، وهو مشهد النهاية ، التي بها تنتهي جميع الآلام ، فحياتنا مهما ملأها الظلام ، يُمكننا بلمسة بسيطة أن نُعيد إليها النور ، أما من يستمتع بالعتمة ، فدعه يعيش حبيس جدرانها ، ويكفي خسارته ؛ لعدم تقديره لقيمة الأشياء ، فيكفيه غروره ، وكم من عظماء انتهت حياتهم على أيدي غرورهم .
فأذكر أن أحد الفنانين قد رسم لوحة لأشجار في فصل الخريف بعد غروب الشمس بقليل ، وكانت اللوحة تميل إلى العتمة ، والأشجار عارية من الأوراق ، وهناك بيت منعزل بلا أضواء يقف منفردًا ، يواجه عاصفة شديدة من التراب ، كل ما في اللوحة كان يُعبر عن الكآبة والوحشة وفقدان الأمل ، لكن الفنان لم يكن قد انتهى بعد من رسم لوحته ، وبقيت بضعة دقائق قبل أن يُسلمها للعرض ، فبسرعة غمس فرشاته في اللون الأصفر ، ثم رسم نورًا يخرج من نافذة المنزل ، فتغيرت اللوحة تمامًا ، وتغير مدلولها ، وصار يُعبر عن الدفء والطُمأنينة والأمان ، رغم العواصف الشديدة ، فأصبحت اللوحة عبارة عن بيت مُضيء وسط الظلام والتشويش .
وهكذا ، نحن يُمكننا أن نُغير مجرى حياتنا ، لو كانت العتمة فُرضت علينا ، فليس هناك سوى أن نكتب بأيدينا المشهد الأخير ، فربما يكون فيه بدايتنا الحقيقية ، فالإنسان لا يُمكنه أن يُغير الآخرين ، طالما أنهم استمرءوا سلوك الظلم والغُرور والإهمال ، ولكن بوسعه أن يُغير سلوكه ، بأن يقول لهم:" ليس لي مكان بينكم" فلو كانت المسرحية كلها قد كتبها القدر أو كتبها الآخرون ، فلا بأس من أن نكتب نحن المشهد الأخير .